ألبتة ، بل يتخيل لى وجوده فقط من غير جسمية. فيكون قد فهمته من جهة أنه ليس بجسم ، إذ لم أفهم الجسمية ، مع أنى فهمته.
ثم إذا حققت فإنى كلما عرضت (١) جسمية لهذا الشىء الذى هو مبدأ هذه الأفعال ، لم يجز أن يكون ذلك الشىء جسما ، فبالحرى أن يكون تمثله الأول فى نفسى أنه شىء مخالف لهذه الظواهر وأن تغلطنى (٢) مقارنة الآلات ومشاهدتها وصدور الأفعال عنها ، فأظن أنها كالأجزاء منى ، وليس إذا غلط فى شىء وجب له حكم ، بل الحكم لما يلزم أن يعقل. وليس إذا كنت طالبا لوجوده (٣) ولكونه غير جسم فقد كنت جاهلا بهذا جهلا مطلقا ، بل كنت غافلا عنه. وكثيرا ما يكون العلم بالشىء قريبا ، فيغفل عنه ، ويصير فى حد المجهول ، ويطلب من موضع أبعد. وربما كان العلم القريب جاريا مجرى التنبيه ، وكان مع خفة المؤونة فيه كالمذهوب عنه ، فلاترجع الفطنة إلى طريقه لضعف الفهم ، فيحتاج أن يؤخذ فيه مأخذ بعيد.
فبين من هذا أن لهذه القوى مجمعا هو الذى تؤدّى كلها إليه ، وأنه غير جسم وإن كان مشاركا للجسم أو غير مشارك.
وإذ قد بينا صحة هذا الرأى فيجب أن نحل الشبه المذكورة.
أما الشبهة الأولى ، فنقول : إنه ليس يجب إذا كانت النفس واحدة الذات أن لا تفيض عنها فى أعضاء مختلفة قوى مختلفة ، بل من الجائز أن يكون أول ما يفيض عنها فى البزر والمنى قوة الإنشاء ، فتنشىء أعضاء على
__________________
(١) فرضت ، نسخة.
(٢) أغلطه أى أوقعه فى الغلط.
(٣) أى وجود ذلك المبدأ.