منه شىء لا يكون ما نشعر به أنّا نحن (١) موجودا ، وليس كذلك ، فإنى أكون أنا وإن لم أعرف أن لى يدا ورجلا أو عضوا من هذه الأعضاء ، على ما سلف فى مواضع أخرى ، بل أظن أن هذه توابعى ، وأعتقد أنها آلات لى أستعملها فى حاجات ، لولا تلك الحاجات لما احتيج إليها ، وأكون أنا أيضا أنا ولست هى.
ولنعد إلى ما سلف ذكره منا (٢) فنقول :
لو خلق إنسان دفعة واحدة ، وخلق متباين الأطراف ، ولم يبصر أطرافه ، واتفق أن لم يمسّها ، ولا تماسّت ، ولم يسمع صوتا ، جهل وجود جميع أعضائه ، وعلم وجود إنيته شيئا واحدا مع جهل جميع ذلك.
وليس المجهول بعينه هو المعلوم ، وليست هذه الأعضاء لنا فى الحقيقة إلا كالثياب التى صارت لدوام لزومها إيانا كأجزاء منا عندنا. وإذا تخيلنا أنفسنا لم نتخيلها عراة ، بل نتخيّلها ذوات أجسام كاسية ، والسبب فيه دوام الملازمة. إلا أنا قد اعتدنا فى الثياب من التجريد والطرح ما لم نعتد فى الأعضاء ، فكان ظننا الأعضاء أجزاء منا آكد من ظننا الثياب أجزاء منا.
وأما إن لم يكن ذلك (٣) جملة البدن ، بل كان عضوا مخصوصا ، فيكون ذلك العضو هو الشىء الذى أعتقده أنه لذاته أنا ، أو يكون معنى ما أعتقده أنه أنا ليس هو ذلك العضو ، وإن كان لابد له من العضو. فإن كان ذات ذلك العضو وهو كونه قلبا أو دماغا أو شيئا آخر أو عدة أعضاء بهذه
__________________
(١) فى غير واحدة من النسخ : ما نشعر نحن. وموجودا خبر لا يكون.
(٢) فى آخر الفصل الأول من المقالة الأولى.
(٣) فى تعليقة نسخة : اى الجسم الذى يكون محل النفس.