فيشتغل ببعضها عن بعض فلا يستعمل ذلك البعض ولا يدبره ، لما كان بعضها يمنع بعضا عن فعله بوجه من الوجوه ولا ينصرف عنه. لأن فعل قوة من القوى إذا لم يكن لها اتصال بقوة أخرى ، لا يمنع القوة الأخرى عن فعلها إذا لم تكن الآلة مشتركة ولا المحل مشتركا ولا أمر يجمعهما غير ذلك مشتركا. ونحن نرى أن الإحساس يثير الشهوة ، والقوة الشهوانية لا تنفعل عن المحسوس من حيث هو محسوس (١) ، فإن انفعل لا من حيث هو محسوس لم يكن الانفعال الذى يكون لشهوة ذلك المحسوس ، فيجب لا محالة أن يكون هو الذى يحس. وليس يجوز أن تكون القوتان واحدة ، فبين أن القوتين لشىء واحد ، فلهذا يصدق أن نقول : إنا لما أحسنا اشتهينا ، أو لما رأينا كذا غضبنا (٢).
وهذا الشىء الواحد الذى تجتمع فيه هذه القوى هو الشىء الذى يراه كل منا أنه ذاته ، حتى يصدق أن نقول لما أحسسنا اشتهينا.
وهذا الشىء لا يجوز أن يكون جسما :
أما أولا ، فلأن الجسم بما هو جسم ليس يلزمه أن يكون مجمع هذه
__________________
(١) بل الحاس ينفعل عن المحسوس.
(٢) قال الفخر فى ص ٤٠٦ ج ٢ من المباحث المشرقية فى تقرير هذه الحجة : « إنّ هذه القوى تارة تكون متعاونة على الفعل وتارة تكون متدافعة. أما المعاونة فلأنا نقول : متى احسسنا الشىء الفلانى اشتهينا أو غضبنا. وأما المدافعة فلأنا إذا توجهنا إلى التفكر اختلّ الحس أو إلى الحس اختل الغضب أو الشهوة.
وإذا ثبت ذلك فنقول لولا وجود شىء مشترك لهذه القوى يكون كالمدبّر لها بأسرها لامتنع وجود المعاونة والمدافعة لأن فعل كل قوة إذا لم يكن له اتصال بالقوة الأخرى وليست الآلة مشتركة بل لكل واحد منها آلة مخصوصة وجب أن لا يحصل بينها هذه الممانعة والمعاونة ».