ثم نجد الحيوان وله هذه النفس الحساسة الغضبية ، ولا تكون هناك النفس النطقية أصلا ، فتكون هذه النفس البهيمية نفسا على حدة. فإذا اجتمعت هذه الأمور فى الإنسان ، علمنا أنه قد اجتمع فيه أنفس متباينة مختلفة الذوات ، قد يفارق بعضها بعضا ، فلذلك تختص كل واحدة منها بموضع ، فيكون للمميزة الدماغ ، ويكون للغضبية الحيوانية القلب ، ويكون للشهوانية الكبد.
فهذه هى المذاهب المشهورة فى أمر النفس وليس يصح منها إلا المذهب الأخير (١) مما عدّ أوّلا فلنبين صحته. ثم نقبل على حلّ الشبه التى أوردوها.
فنقول : قد بان مما ذكرناه أن الأفعال المتخالفة هى بقوى متخالفة وأن كل قوة من حيث هى فإنما هى كذلك (٢) من حيث يصدر عنها الفعل الأول الذى لها فتكون القوة الغضبية لا تنفعل من اللذات ولا الشهوانية من المؤذيات ولا تكون القوة المدركة متأثرة مما تتأثر عنه هاتان ولا شىء من هاتين من حيث هما قابل للصور المدركة متصور لها. فإذا كان هذا متقررا فنقول :
إنه يجب أن يكون لهذه القوى رباط يجمع كلها وتجتمع إليه ، وتكون نسبته إلى هذه القوى نسبة الحس المشترك إلى الحواس التى هى الرواضع. فإنا نعلم يقينا أن هذه القوى يشغل بعضها بعضا ، ويستعمل بعضها بعضا ، وقد عرفت هذا فيما سلف. ولو لم يكن رباط يستعمل هذه
__________________
(١) وهو أن النفس ذات واحدة تفيض عنها هذه القوى.
(٢) فى تعليقة نسخة : أى متخالفة الأفعال.