فمنهم من جعل ما كان من الأجرام (١) التى لا تتجزأ كرّيا ليسهل دوام حركته ، وزعم أن الحيوان يستنشق ذلك بالتنفس ، وأن التنفس غذاء للنفس ، وأن النفس تستبقى به النفس بإدخال بدل ما يخرج من ذلك الجنس من الهباء التى هى الأجرام التى لا تتجزأ التى هى المبادئ وأنها متحركة بذاتها ، كما يرى من حركة الهباء دائما فى الجو ، فلذلك صلحت لأن تحرّك غيرها.
ومنهم من قال : إنها ليست هى النفس ، بل إن محركها هو النفس وهى فيها ، وتدخل البدن بدخولها.
ومنهم من جعل النفس نارا ورأى أن النار دائمة الحركة.
وأما من سلك طريق الإدراك :
فمنهم من رأى أن الشىء إنما يدرك ما سواه لأنه متقدم عليه ومبدأ له (٢) ، فوجب أن تكون النفس (٣) مبدأ ، فجعلها من الجنس الذى كان يراه المبدأ : إما نارا ، أو هواء ، أو أرضا ، أو ماء. ومال بعضهم إلى القول بالماء لشدة رطوبة النطفة التى هى مبدأ التكون وبعضهم جعلها جسما بخاريا ، إذ كان يرى أن البخار مبدأ الأشياء على حسب المذاهب التى عرفتها (٤) ، وكل هؤلاء كان يقول : إن النفس إنما تعرف الأشياء كلها لأنها من جوهر المبدأ لجميعها. وكذلك من رأى أن المبادئ هى الأعداد ، فإنه
__________________
(١) اى الاجزاء الصغار الصلبة.
(٢) اى علة له.
(٣) لكونها مدركة.
(٤) الفصل الثانى من الفن الثالث من هذا الكتاب ص ١٨٨ من الطبعة الحجرية فى اقتصاص المذاهب. والثالث منه ص ١٩١ فى نقضها والبحث عن مذهب البخار فى ص ١٨٩ ونقضه فى ص ١٩٢ فراجع.