ومن خواص الإنسان أنه يتبع إدراكاته للأشياء النادرة انفعال يسمى التعجب ويتبعه الضحك ، ويتبع إدراكه للأشياء المؤذية انفعال يسمى الضجر ويتبعه البكاء.
ويخصه فى المشاركة أن المصلحة تدعو إلى أن تكون فى جملة الأفعال التى من شأنه أن يفعلها أفعال (١) لا ينبغى له أن يفعلها ، فيعلّم ذلك صغيرا وينشأ عليه. ويكون قد تعوّد منذ صباه سماع أن تلك الأفعال ينبغى أن لا يفعلها ، حتى صار هذا الاعتقاد له كالغريزى له ، وأفعال أخرى بخلاف ذلك ، وتسمى الأولى قبيحة ، والأخرى جميلة.
وليس يكون للحيوانات الأخرى ذلك ، فإن كانت الحيوانات الأخرى تترك أفعالا لها أن تفعلها مثل أن الأسد المعلّم لا يأكل صاحبه ولا يأكل ولده فليس سبب ذلك اعتقادا فى النفس ورأيا ، ولكن هيئة أخرى نفسانية ، وهى أن كل حيوان يؤثر بالطبع وجود ما يلذه وبقاءه ، وأن الشخص الذى يمونه (٢) ويطعمه قد صار لذيذا له لأن كل نافع لذيذ بالطبع عند المنفوع ، فيكون المانع عن فرسه ليس اعتقادا ، بل هيئة وعارضا نفسانيا آخر. وربما وقع هذا العارض فى الجبلة ومن الإلهام الإلهى كحب كل حيوان ولده من غير اعتقاد ألبتة ، بل على نوع تخيل بعض الإنسان لشىء نافع أو لذيذ او نفرته عنه إذا كان فى صورته ما ينفرّ عنه.
والإنسان قد يتبع شعوره بشعور غيره أنه فعل شيئا من الأشياء التى قد أجمع على أنه لا ينبغى أن يفعلها انفعال نفسانى يسمى الخجل ، وهذا
__________________
(١) فاعل تكون.
(٢) فى تعليقة نسخة : قوله « يمونه » مان القوم احتمل مأونتهم اى قوتهم وقد لا يهمز فالفعل مانهم.