لكنا نقول : إنه لا شك لنا فى أن هذا الشىء ليس بجوهر بالمعنى الذى يكون به الموضوع جوهرا ، ولا أيضا بالمعنى الذى يكون به المركب جوهرا. فأما جوهر بمعنى الصورة فلينظر فيه.
فإن قال قائل : إنى أقول للنفس جوهر وأعنى به الصورة ، ولست أعنى به معنى أعم من الصورة ، بل معنى أنه جوهر معنى أنه صورة ، وهذا مما قاله خلق منهم (١) ، فلا يكون معه موضع بحث واختلاف ألبتة. فيكون معنى قوله : إن النفس جوهر ، أنها صورة ؛ بل يكون قوله : الصورة جوهر ، كقوله الصورة صورة أو هيئة والإنسان إنسان أو بشر ، ويكون هذيانا من الكلام.
وإن عنى بالصورة (٢) ما ليس فى موضوع ألبتة ، أى لا يوجد بوجه من الوجوه قائما فى الشىء الذى سميناه لك موضوعا ألبتة ، فلا يكون كل كمال جوهرا. فإن كثيرا من الكمالات (٣) هى فى موضوع لا محالة ، وإن كان ذلك الكثير بالقياس إلى المركب ، ومن حيث كونه فيه ليس فى موضوع ، فإن كونه جزءا منه لا يمنعه أن يكون فى موضوع ، وكونه فيه لا كالشىء فى الموضوع لا يجعله جوهرا ، كما ظن بعضهم. لأنه لم يكن الجوهر ما لا يكون بالقياس إلى شىء على أنه فى موضوع حتى يكون الشىء من جهة ما ليس فى هذا الشىء على أنه فى موضوع جوهرا ، بل
__________________
(١) قوله : « خلق منهم » هذا الخلق هم القائلون بانّ النفس الانسانية من الاجسام اللطيفة فضلا عن النفس الحيوانية والنباتية.
(٢) فى تعليقة نسخة : اى على تقدير ان النفس جوهر بمعنى الصورة.
(٣) فى تعليقة نسخة : كالسواد والكتابة وغيرهما فإنها كمالات اولية للمركب منها ومن الموضوع كالسواد للأسود بما هو أسود والكتابة للكاتب بما هو كاتب.