إبصارنا حتى تحيل الهواء كله والضياء المبثوث فى أجسام الأفلاك بزعمهم إلى قوة حساسة أو أية قوة شئت.
ثم الهواء والضوء ليسا متصلين ببصر دون بصر ، فلم يؤديان ما يحسّانه إلى بصر دون بصر. فإن كان من شرط البصر الذى يرى أن يقع فى مسامتة المرئى حتى يؤدى حينئذ الهواء إليه ما أحس ، فليس إحساس الهواء بعلة لوصول المحسوسات إلى النفس ، ولكن وقوع البصر من المبصر على نسبة وتوسط الهواء بينهما. فإن كان الهواء يحس بنفسه ويؤدى أيضا فما علينا من إحساسه فى نفسه ، بل إنما المنتفع به فى أن نحس نحن تأديته المرئى إلينا. ولا نبالى أنه يحس فى نفسه أو لا يحس فى نفسه ، اللهم إلا أن يجعل إحساسه لإحساسنا ، فيكون الهواء والفلك كله يحس لأجلنا.
وأما إذا لم يجعل ذلك آلة ، بل واسطة تنفعل أولا من البصر ثم يستتم كونها واسطة ، فبالحرى أن نتأمل أنه أى انفعال ينفعل حتى يؤدى؟ أبأن تقبل من البصر قوة حياة وهو أسطقس بسيط ، هذا لا يمكن. أو يصير بالبصر شافا بالفعل. فالشمس أقوى من البصر فى تصييره شافا بالفعل وأكفى ، فليت شعرى ماذا يفعل البصر بهذا الهواء. وإن كان البصر يسخنه ، فيجب إذن برد الهواء أن يمنع الإبصار أو يبرّده ، فيجب إذا سخّن أن يمنع الإبصار ، وكذلك الحال فى باقى الأضداد. ولجميع الأضداد التى يستحيل بها الهواء أسباب غير البصر إن اتفقت كفت الحاجة إلى إحالة البصر وإن اتفق أضدادها لم تغن إحالة البصر أو عساه لا يحدث إشفافا ولا كيفية ذات ضد من المعلومات ، بل يحدث خاصية غير منطوق بها ، فكيف عرفها أصحاب هذا المذهب ، ومن أين توصلوا إليها.
أما نحن فقد قدمنا مقدمة كلية تمنع هذه الاستحالات كلها سواء كانت