أشد ، فيكون أداؤه لصورة ومعونته فى الإبصار أقوى ، وإن كان ضعف نفس البصر يزيد خللا فى ذلك فاجتماع الضعفين معا ليس كحصول ضعف واحد ، كما أن ضعيف البصر لا يستوى حال إبصاره فى الهواء الكدر والهواء الصافى ، لأن الضعيف إذا وجد معونة من خارج كان لا محالة أقوى فعلا. ثم نحن نشاهد ضعيف البصر لا يزيده اقتران أقوياء البصر به ، أو اجتماع كثرة ضعفاء البصر معه شيئا فى إبصاره. فبيّن أن المقدم باطل.
ولنعد إلى التفصيل الذى فارقناه فنقول : إنه لا يخلو الهواء حينئذ إما أن يكون آلة ، وإما أن يكون واسطة. فإن كان آلة فإما أن تكون حساسة ، وإما أن تكون مؤدية. ومحال أن يقول قائل : إن الهواء قد استحال حساسا حتى أنه يحس الكواكب ويؤدى ما أحسّه إلى البصر. ثم ليس كل ما نبصره يلامسه الهواء ، فإنا قد نرى الكواكب الثابتة والهواء لا يلامسها. وما أقبح بنا أن نقول : إن الأفلاك التى فى الوسط أيضا تنفعل عن بصرنا وتصير آلة له كما يصير الهواء آلة ، فإن هذا مما لا يقبله عاقل محصّل.
أو نقول : إن الضوء جسم مبثوث فى الهواء ، والفلك يتحد بأبصارنا ويصير آلة لها ، فإن ساعدنا على هذا القبيح فيجب أن لا نرى كلية جسم الكواكب بعد تسليمنا باطلا آخر وهو أن فى الفلك مسامّ (١) ، وذلك لأنه لا تبلغ مسامهما (٢) أن تكون أكثر من نصف جرمهما ، فيجب أن تكون الكواكب المنظور إليها إنما ترى منها أجزاء ولا ترى أجزاء. ثم ما أشد قوة
__________________
(١) مسام الجسد ثقبه.
(٢) اى الهواء والفلك.