يتحلل من ذى الرائحة فيسافر مائة فرسخ فما فوقه ، ولا أيضا يمكننا أن نحكم أن ذا الرائحة أشد إحالة للأجسام من النار فى تسخينها ، والنار القوية إنما تسخن ما حولها إلى حد ، وإذا بلغ ذلك غلوة (١) فهو أمر عظيم ، وقد نجد من وصول الروائح إلى بلاد بعيدة ما يزيل الشك فى أن وصولها لم يكن بسبب بخار انتشر أو استحالة فشت. فقد علم أن بلاد اليونانيين والمغاربة لا ترى فيها رخمة (٢) ألبتة ولا تأوى إليها وبينها وبين البلاد المرخمة مسافة كثيرة تقارب ما ذكرناه (٣). وقد اتفق فى بعض السنين أن وقعت ملحمة (٤) بتلك البلاد فسافرت الرخم إلى الجيف ولا دليل لها إلا الرائحة ، فتكون الرائحة قد دلت من مسافة بعدها بعد لا يجوز معه أن يقال إن الأبخرة أو الاستحالات من الهواء وصلت إليه.
فنقول نحن : إنه يجوز أن يكون المشموم هو البخار ، ويجوز أن يكون الهواء نفسه يستحيل عن ذى الرائحة فيصير له رائحة فيكون حكمه أيضا حكم البخار فيكون كل شىء لطيف الأجزاء من شأنه أن ينفذ إذا بلغ آلة الشم ولاقاها كان بخارا أو هواء مستحيلا إلى الرائحة أحس به (٥). وقد علمت أن كل متوسط يوصل إليه بالاستحالة ، فإن المحسوس أيضا لو تمكّن من ملاقاة الحاسّ لأحسّ به بلاواسطة.
__________________
(١) غلوة : مقدار يك تير انداختن راه.
(٢) كركس ، لاشخوار.
(٣) اى تقارب مائة فرسخ.
(٤) الملحة : الواقعة العظيمة القتل.
(٥) بالرائحة : نسخة.