ومما يدل على أن الاستحالة لها مدخل فى هذا الباب ، أنا مثلا نبخر الكافور تبخيرا يأتى على جوهره كله (١) ، فتكون منه رائحة منتشرة انتشارا إلى حد وقد يمكن أن تنتشر منه تلك الرائحة فى أضعاف ذلك الموضع بالنقل ، والوضع جزءا جزءا من ذلك المكان كله حتى يتشمم منه فى بقعة ضيقة صغيرة من تلك الأضعاف مثل تلك الرائحة. فإذا كان فى كل واحدة من تلك البقاع الصغيرة يتبخر منه شىء فيكون مجموع الأنجرة التى تتحل منه فى جميع تلك البقاع التى تزيد على البقعة المذكورة أضعافا مضاعفة للبخار كله الذى يكون بالتبخير أو مناسبا له ، فيجب أن يكون النقصان الوارد عليه فى ذلك (٢) قريبا من ذلك (٣) أو مناسبا له ولا يكون. فبين أن هاهنا للاستحالة مدخلا.
وأما حديث التأدية (٤) المذكورة فأمر بعيد ، وذلك لأن التأدية لا تكون إلا بنسبة مّا ونصبة (٥) للمؤدى عنه إلى المؤدى إليه. وأما الجسم ذو الرائحة فليس يحتاج إلى شىء من ذلك ، فإنك لو توهمت الكافور قد نقل إلى حيث لا تتأدى إليك رائحته ، بل قد عدم دفعة ، لم يمنع أن تكون رائحته بعده (٦) باقية فى الهواء ، فذلك لا محالة لاستحالة أو مخالطة.
__________________
(١) فى تعليقة نسخة : اى بحيث يفنى كله.
(٢) اى النقل.
(٣) فى تعليقة نسخة : اى التبخير الذى وقع على جوهره.
(٤) وهو المذهب الثالث.
(٥) كما فى جميع النسخ التى عندنا وهذا هو الصواب. فمعنى العبارة على قرائة الصاد فى النسبة الثانية ظاهر. وعلى قرائة السين بيان للنسبة الأولى والتأسيس أولى من التأكيد.
(٦) اى بعد النقل والعدم.