الحيوانات (١) فإنه يثير الروائح الكامنة بالدلك ، وهذا ليس لغيره ، ويتقصى فى تحسّسها بالاستنشاق ، وهذا لا يشاركه فيه غيره. فإنه لا يقبل الروائح قبولا قويا حتى يحدث فى خياله منها مثل ثابتة كما تحصل للملموسات والمطعومات. بل تكاد أن تكون رسوم الروائح فى نفسه رسوما ضعيفة. ولذلك لا تكون للروائح عنده أسماء إلا من جهتين :
إحداهما من جهة الموافقة والمخالفة بأن يقال طيبة ومنتنة ، كما لو قيل للطعم إنه طيّب وغير طيّب من غير تصور فصل أو تسمية.
والجهة الأخرى أن يشتق لها من مشاكلتها للطعم اسم فيقال رائحة حلوة ورائحة حامضة ، كأنّ الروائح التى اعتيد مقارنتها لطعوم مّا تنسب إليها وتعرف بها.
ويشبه أن يكون حال إدراك الروائح من الناس كحال إدراك أشباح الأشياء وألوانها من الحيوانات الصلبة العين ، فإنها تكاد أن تكون إنما تدركها كالتخيل غير المحقق وكما يدرك ضعيف البصر شبحا من بعيد. وأما كثير من الحيوانات الصلبة العين فإنها قوية جدا فى إدراك الروائح مثل النمل ، ويشبه أن لا تحتاج أمثالها إلى التشمم والتنشق ، بل تتأدى إليها الروائح فى الهواء.
وواسطة الشم أيضا جسم لا رائحة له كالهواء والماء وهى التى تحمل رائحة المشمومات (٢).
__________________
(١) قال الرازى : الانسان يكاد ان يكون ابلغ الحيوانات فى الشم إلا أنه أضعفها فى بقاء متمثله فى خياله فانّ رسوم الروائح فى نفس الانسان ضعيفة جدا ولذلك لا يكون للروائح عنده اسماء إلا من وجهين.
(٢) اى الواسطة هى التى تحمل رائحة المشمومات ، نسخة.