ومما فيه موضع نظر هل هذه الرطوبة إنما تتوسط بأن تخالطها أجزاء ذى الطعم مخالطة تنتشر فيها ثم تنفذ فتغوص فى اللسان حتى تخالط اللسان فيحسه ، أو تكون نفس الرطوبة تستحيل إلى قبول الطعم من غير مخالطة ، فإن هذا موضع نظر. فإن كان المحسوس هو المخالط فليست الرطوبة بواسطة مطلقة ، بل واسطة تسهّل وصول الجوهر المحسوس الحامل للكيفية نفسها إلى الحاس وأما الحس نفسه فإنما هو بملامسة الحاس للمحسوس بلاواسطة. وإن كانت الرطوبة تقبل الطعم وتتكيف به فيكون المحسوس بالحقيقة أيضا هو الرطوبة ويكون أيضا هو الرطوبة ويكون أيضا بلاواسطة (١) ، ويكون الطعم إذا لاقى آلة الذوق أحسته ، فيكون لو كان للمحسوس الوارد من خارج سبيل إلى المماسة الفائضة من غير هذه الواسطة لكان ذوق ، لا كالمبصر الذى لا يمكن أن يلاقى آلة الإبصار بلاواسطة. وإذا مست الآلة المبصر لم يدرك ألبتة (٢) ، لكنه بالحرى أن تكون هذه الرطوبة للتسهيل وأنها تتكيف وتختلط معا ، ولو كان سبيل إلى الملامسة المستقصاة من غير هذه الرطوبة لكان يكون ذوق.
فإن قيل : ما بال العفوصة تذاق وهى تورث السدد وتمنع النفوذ؟
فنقول : إنها أولا تخالط بوساطة هذه الرطوبة ثم تؤثّر أثرها من التكثيف وقد خالطت. والطعوم التى يدركها الذوق هى الحلاوة (٣) والمرارة (٤)
__________________
(١) فى تعليقة نسخة : اى كما فى الاول او كما يكون محسوسا بالذات.
(٢) واذا مست الآلة المدركة لم تدرك ألبتة. ( كما فى نسختين من الشفاء ونسخة اخرى كما فى المتن ).
(٣) شيرينى.
(٤) تلخى.