بل يجوز أن تكون آلة واحدة مشتركة لها ، ويجوز أن يكون هناك انقسام فى الآلات غير محسوس ، وقد اتفق فى اللمس أن كانت الآلة الطبيعية (١) بعينها هى الواسطة. ولما كان كل واسطة يجب أن يكون عادما فى ذاته لكيفية ما يؤديه ، حتى إذا قبلها وأدّاها أدّى شيئا جديدا ، فيقع الانفعال عنه فيقع (٢) الإحساس به. والانفعال لا يقع إلا عن جديد كان كذلك أيضا آلة اللمس.
لكن المتوسط الذى ليس هو مثلا بحار ولا بارد يكون على وجهين : أحدهما على أنه لا حظّ له من هاتين الكيفتين أصلا ؛ والثانى ما له حظ منهما ولكن صار فيه إلى الاعتدال ، فليس بحار ولا بارد ، بل معتدل متوسط.
ثم لم يمكن أن تكون آلة اللمس خالية أصلا عن هذه الكيفيات ، لأنها مركبة منها ، فوجب أن يكون خلوها عن هذه الأطراف بسبب المزاج والاعتدال لتحسّ ما يخرج عن القدر الذى لها. وما كان من أمزجة اللامسات أقرب إلى الاعتدال ، كان ألطف إحساسا. ولما كان الإنسان أقرب الحيوانات كلها من الاعتدال كان ألطفها لمسا. ولما كان اللمس أول الحواس ، وكان الحيوان الأرضى لا يجوز أن يفارقه ، وكان لا يكون إلا بتركيب معتدل ليحكم به بين الأضداد ؛ فبيّن (٣) من هذا أنه ليس للبسائط
__________________
(١) يعنى العصب هو الواسطة فى تأدية الحس اللمسى إلى عضو آخر هو اللحم.
(٢) ليقع الإحساس به ، نسخة.
(٣) جواب « لما كان ». وفى تعليقة نسخة : قوله « فبيّن من هذا » : اى من انّ اعتدالا ما موجب للحكم بين الأضداد فالبسائط التى لا تركيب فيها اصلا فضلا عن الاعتدال تكون خالية عن القوة وكذلك ما يشبه البسائط كالجماد والنبات من المركبات خالية عن القوة لعدم الاعتدال فيهما.