الأخرى : منها ما لا لذة لها فى محسوسها ولا ألم. ومنها ما يلتذ ويألم بتوسط أحد المحسوسات. فأما التى لا لذة فيها فمثل البصر لا يلتذ بالألوان
__________________
منها حكما بحسبها. ولكل واحدة منها بحسب انغمارها فى الطبيعة وانقهارها عليها حكما آخر وان كان حكمها حكمها فافهم.
ثم ان لصدر المتألهين كلاما فى المقام فى الاشراق السادس من الشاهد الاول من المشهد الثالث من الشواهد الربوبية ( ص ١٣٣ ط ١ ـ ١٩١ ط ٢ ) قال : « حكمة عرشية : ومما ذكره الشيخ فى القانون : ان هاتين القوتين [ السمع والبصر ] لا لذة لهما فى محسوسيها ولا الم بخلاف البواقى. فعجزت عن دركه شرّاح القانون واعترضوا عليه وطال الكلام بينهم جرحا وتعديلا ولم يأتوا عن آخرهم بشىء يطمئن به القلب. وفيما قسم لنا من الملكوت ان الحيوان بما هو حيوان تتقوم مادة حياته من الكيفيات الملموسة وهذه اولى مرتبة الحيوانية التى لا يخلو منها حيوان. كما لا يخلو حيوان من قوة اللمس لانّ المدرك من كل شىء والشاعر من كل حىّ قوة من باب ما يدركه وآلة من جنس ما يشعر به ويحضر عنده اذ به يخرج من القوة الى الفعل فالملايم والمنافر للحيوان بما هو حيوان ولأدنى الحيوانات اولا وبالذات انّما هما من مدركات قوة اللمس لانها يتقوم بها بدنه.
ثم مدركات الذائقة فى الحيوانات المرتفعة درجتها قليلا عن ادنى المراتب فيفتقر الى اغذية مخصوصة والى قوة من شأنها تمييز النافع عن الضار فيما يتغذى ويزداد به بدنه من المذوقات وتالى الكيفيتين فى الملايمة والمنافرة مدركات الشامة حيث يتغذى بها لطائف الاعضاء كالارواح البخارية.
واما مدركات السامعة والباصرة فليس للحيوان بما هو حيوان اليها حاجة قريبة لانّ بدنه ليس مركبا من الاصوات ولا من الاضواء ولا الالوان ولا شك فى أن الآلات الحساسة جسم حيوانى واللذة هى ادراك الملايم والملايم للجسد الحيوانى اما الملموس او المذوق او المشموم لا الاصوات والانوار بل هى ملايمة للنفس التى هى من عالم النور كما سيجىء وقس عليها حال الالم. ومما يؤكد ما ذكرنا ان جنس الحيوان مدة مديدة فى الموضع المظلم الخالى عن الصوت لا يوجب موته بخلاف حبسه عن الملموس لحظة وعن المطعوم ايّاما قلائل والشم ضرب من الطعم قد يصير بدلا منه فى بعض الحيوان احيانا وفى الجنّ دائما ». انتهى كلامه.