شىء وحصول شىء ، وأما المستقر فلا انفعال به. وذلك فى الأمزجة الموافقة والرديئة معا ، فإن الأمزجة الرديئة إذا استقرت وأبطلت الأمزجة الأصلية حتى صارت هذه الرديئة كانها أصلية لم يحس بها ، ولذلك لا تحس بحرارة الدق وإن كانت أقوى من حرارة الغب. وأما إن كانت الأصلية موجودة بعد وهذه الطارئة مضادة لها أحس بها ، وهذا يسمى سوء المزاج المختلف ، وهذا المستقر يسمى سوء المزاج المتفق ، فالألم والراحة من الألم أيضا من المحسوسات اللمسية.
ويفارق اللمس فى (١) هذا المعنى سائر الحواس ، وذلك لأن الحواس
__________________
(١) قوله : ويفارق اللمس ، اقول : اللمس لانغماره فى الطبيعة كان ادراكه فى منغمره وكذا الذوق والشم. فهذه الثلاثة احكام الطبيعة غالبة عليها فلا يتحقق ادراكها الا بمماسة محسوساتها الخارجية اعنى بها المحسوس بالعرض فتلتذ وتالم كل واحدة منها من محسوساتها القريبة اعنى بها الذاتية فى موطنها ومنغمرها. بخلاف البصر والسمع فانّ لهما شأنا من التفوق والاستعلاء على الطبيعة فلالذة ولا الم لهما من محسوساتهما المبصرة والمسموعة. بل النفس تلتذ وتتالم من داخل.
فان قلت : ان النفس مطلقا مدركة لان تلك القوى كلها فروعها فلافرق من هذه الحيثية بين تلك الثلاثة وبين هاتين.
قلت : لا مشاحة فى ذلك وانما الكلام فى ان اللمس الذى من فروع النفس انما هو مدرك فى موطنه وإنما يلتذ او يالم من ملموسه فى موطنه ومنغمره من حيث انه ملموسه وكذا الذوق والشم. بخلاف البصر والسمع فانهما لا يلتذان ولا يتألمان من مدركاتهما من حيث انها مبصرة او مسموعة وانما ذلك الالتذاذ والتألم للنفس من داخل لا فى موطنهما. فان اصابتهما لذة او الم فانما تلك الاصابة من حيث اللمس السارى فيهما كسائر اللوامس.
وبالجملة اللمس منغمر فى الطبيعة وان كان فى الرتبة فوقها. يعنى ان الطبيعة اذا صوعدت صارت لمسا واللمس اذا صوعد صار ذوقا وهكذا الذوق اذا صوعد صار شمّا ، والشم سمعا والسمع بصرا والبصر خيالا والخيال عقلا وان للنفس فى كل واحدة