ثمّ لو منعنا جريان الاستصحاب في المقام فلا بدّ من الرجوع إلى استصحاب الحالة السابقة في المكلّف ، فإذا كان متطهراً قبل مسّه ثمّ مسّ شيئاً وشكّ في أنّه إنسان أو غيره فيشك في انتقاض طهارته بطروء الحدث بالمس وعدمه ، والأصل بقاؤه على طهارته وعدم طروء الحدث في حقّه ، وذلك لقوله عليهالسلام « لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثمّ شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً » (١).
وأمّا إذا كان محدثاً بالأصغر كما إذا كان نائماً ثمّ مسّ ما يشك في كونه ميتاً إنسانياً فإن كان إنساناً فقد تبدّل حدثه الأصغر بالأكبر ، وإن كان غيره فحدثه الأصغر باقٍ بحاله ، فيستصحب بقاء حدثه الأصغر بحده وعدم تبدّله بالحدث الأكبر ، ومقتضى استصحاب بقاء حدثه الأصغر بحاله وعدم طروء الحدث الأكبر أنّه لا يجب عليه سوى الوضوء.
ومع هذا لا مجال لاستصحاب بقاء الحدث الكلي بعد الوضوء ، لأنّه نظير ما قدّمناه في مَن كان محدثاً بالأصغر ثمّ خرجت منه رطوبة مردّدة بين البول والمني بعد الاستبراء ، حيث قلنا إنّه يستصحب بقاء حدثه الأصغر بحاله وعدم تبدله بالحدث الأكبر ، فلا يجب في حقّه إلاّ الوضوء.
لأنّ الرطوبة إذا كانت بولاً فلا أثر لها ، لأنّ الحدث الأصغر بعد الأصغر لا أثر له وإذا كانت هي المني فأثرها وجوب الاغتسال ، إلاّ أن استصحاب بقاء حدثه الأصغر بحاله ينفي وجوب الغسل في حقّه ، ولا يجري معه استصحاب الكلي ، أعني استصحاب كلي الحدث بعد الوضوء.
ثمّ لو منعنا عن جريان الاستصحاب في محل الكلام فبناءً على غير ما هو التحقيق عندنا من إغناء كل غسل من الوضوء يكون أمر المكلّف في المقام دائراً بين الأقل والأكثر ، لأنّه بعد المسّ عالم بوجوب الوضوء عليه على كل حال فيما إذا كان محدثاً ويشك في توجه التكليف بالغسل عليه زائداً عليه ، فمقتضى البراءة عدم وجوب الأكثر في حقّه.
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٤٦٦ / أبواب النجاسات ب ٣٧ ح ١.