رجل من أهل الشام من علمائهم ، فقال : يا أبا جعفر! جئت أسألك عن مسألة قد أعيت عليّ أن أجد أحدا يفسّرها ، وقد سألت عنها ثلاثة أصناف من الناس ، فقال كلّ صنف منهم شيئا غير الذي قال الصنف الآخر ، فقال له أبو جعفر عليهالسلام : ما ذاك؟ قال : فإنّي أسألك عن أوّل ما خلق الله من خلقه ، فإنّ بعض من سألته قال : القدر ، وقال بعضهم : القلم ، وقال بعضهم : الروح. فقال أبو جعفر عليهالسلام : ما قالوا شيئا ، أخبرك أنّ الله تبارك وتعالى كان ولا شيء غيره ، وكان عزيزا ولا أحد كان قبل عزّه ، وذلك قوله : ( سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (١) ، وكان الخالق قبل المخلوق. ولو كان أوّل ما خلق الله الشيء من الشيء إذا لم يكن له انقطاع أبدا ، ولم يزل الله إذا ومعه شيء ليس هو يتقدّمه ، ولكنّه كان إذ لا شيء غيره ، وخلق الشيء الذي جميع الأشياء منه ، وهو الماء الذي خلق الأشياء منه ، فجعل نسب كلّ شيء إلى الماء ، ولم يجعل للماء نسبا يضاف إليه ، وخلق الريح من الماء ، ثمّ سلّط الريح على الماء ، فشققت الريح متن الماء حتّى ثار من الماء زبد على قدر ما شاء أن يثور ، فخلق من ذلك الزبد أرضا بيضاء نقيّة ليس فيها صدع ، ولا ثقب ، ولا صعود ، ولا هبوط ، ولا شجرة ، ثمّ طواها فوضعها فوق الماء ، ثمّ خلق الله النار من الماء ... الخبر (٢).
وفي العلل بسنده عن محمّد بن سنان ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : سألته عن أوّل ما خلق الله عزّ وجلّ ، قال : إنّ أوّل ما خلق الله عزّ وجلّ ما خلق منه كلّ شيء ، قلت : جعلت فداك وما هو؟ قال : الماء ، إنّ الله تبارك وتعالى خلق الماء بحرين ، أحدهما عذب والآخر ملح. فلمّا خلقهما نظر إلى العذب فقال : يا بحر! فقال : لبّيك وسعديك ، قال : فيك بركتي ورحمتي ، ومنك أخلق أهل طاعتي وجنّتي. ثمّ نظر إلى الآخر فقال : يا بحر! فلم يجب ، فأعاد عليه ثلاث مرّات : يا بحر! فلم يجب ، فقال : عليك لعنتي ، ومنك أخلق أهل معصيتي ومن أسكنته ناري ، ثمّ أمر هما أن يمتزجا فامتزجا ، قال : فمن ثمّ يخرج المؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن (٣).
__________________
(١) الصافات ١٨٠.
(٢) روضة الكافي ٩٤ / ٦٧ ، البحار ٥٧ : ٩٦ ، ورواه في ص ٦٦ بتفاوت عن توحيد الصدوق بسنده عن جابر الجعفيّ ، إلى قوله : وهو الماء.
(٣) علل الشرائع ١ : ٨٣ ، البحار ٥ : ٢٤٠.