ـ فضلا عن نصوصها ـ بمجرّد مخالفتها لبعض الامور الظنّيّة أو ما دونها.
وإذا فرضنا أنّ الروايات لم تصل إلى الحدّ المذكور ، فلا أقلّ من كون المستفاد منها فرضيّة محتملة تشهد عليها تلك الروايات ، ولا يجوز ردّها أو تأويلها ، بعد أن كان المفروض عدم قيام دليل قطعيّ على خلافها.
وبعد هذا يقع الكلام في حقيقة المعاد ـ وهو الإنسان ـ وفي حقيقة العالم بأجمعه ، على ما هو المستفاد من الروايات المأثورة عن المعصومين عليهمالسلام في تنبيهات نذكرها إن شاء الله تعالى.
التنبيه الأول : المادة الأصليّة للعالم جوهر مسمّى بالماء
إنّ الذي يظهر من الروايات ـ كما مرّ ـ أنّ جميع المخلوقات من الدنيا والآخرة وما فيهما ومنه الإنسان روحه وبدنه ، والملائكة والجانّ ، والجنّة والنار وما فيهما ، بل البرزخ وما فيه ، كلّها ـ سوى الأنوار المجرّدة ، أي العلم والعقل والقدرة ـ أجزاء جوهرة أي مادّة واحدة سمّيت بالماء ، وفي بعض الروايات بالهواء والنور. وتفسيرها بالوجود كما ترى.
وقد مرّ أيضا أنّ اختلاف تلك الأجزاء إنّما هو باللطافة والكثافة والرقّة والغلظة وغيرها من الأعراض. فعليه تكون الصور النوعيّة كلّها عرضيّة ، وبه يرتفع اشكال تبديل نوع بنوع آخر ، كما في الأمم السالفة من مسخ أفراد الإنسان بالقردة والخنازير ، على ما نطقت به الآيات المباركة ، وبسائر المسوخ فيها ، وفي الأمّة المرحومة أيضا بصورة الوزغ أو الكلب أو غيرها كما في غير واحد من الروايات (١).
وقد مرّ أن تلك المادّة الواحدة حادثة بالحدوث الحقيقي ، أي مبدعة لا من شيء.
وقد ذكرنا الدليل عليه من غير واحد من الروايات الواصلة عن المعصومين عليهمالسلام ، وسيجيء بعضها إن شاء الله تعالى.
أمّا كون المخلوقات من مادّة واحدة فممّا يدلّ عليه : رواية الكافي بسنده عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن داود عن محمّد بن عطيّة ، قال : جاء إلى أبي جعفر عليهالسلام
__________________
(١) انظر ص ٢٥٦ ، ٢٥٨.