أنّه بيان عدم ثبات الدنيا ونعيمها ، وأنّها سيبطل ويزول ، كما في قوله : ( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ) (١). فهو أجنبيّ عن مسألة التوحيد.
وثانيا : كون ما خلا الله باطلة الذوات لكونها حادثة قائمة بالغير لا يستلزم كون وجودها وجود الحقّ ، أي تطوّره بها ، بل لمكان استحالة ذلك عقلا لا يمكن أن يكون مورد تصديق النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآله .
ومنه : قول النبيّ صلىاللهعليهوآله الذي رواه أمير المؤمنين عليهالسلام في دعاء الصباح : يا من دلّ على ذاته بذاته (٢). بدعوى أنّ المخلوق دالّ على خالقه. فكونه دالاّ بذاته على ذاته ليس إلاّ من جهة أن وجود المخلوق هو وجود الخالق بعينه مقيدا.
وفيه : أن قوله : « وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته » قرينة على عدم إرادة هذا المعنى ، فالظاهر كونه إشارة إلى معرفة حقيقية من غير طريق الآيات ، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
ومنه : قوله صلوات الله عليه : مع كلّ شيء لا بمقارنة ، وغير كلّ شيء لا بمزايلة (٣).
بدعوى أنّ نفي المقارنة والمزايلة مع إثبات المعية والغيرية ليس إلاّ من جهة أنّ غيره لا وجود له إلاّ بالاعتبار.
وفيه : أنّ لفظ المعيّة والغيريّة ظاهر في الغيريّة الحقيقيّة ، فمعنى نفي المقارنة نفي كونهما في رتبة واحدة ، ومعنى نفي المزايلة نفي البينونة العزليّة.
وعمدة ما استدلّ به لذلك من طريق البرهان العقليّ بزعمهم أنّه لو لم نقل بذلك ـ أي أنّ ذات الحق وحقيقة الوجود سار إلى مرتبة وجود الأشياء ـ بل كان لها وجود أيضا ، لزم نقص ذاته تعالى وتحديده بعدم وجود الأشياء ، فكماله واجديّة ذاته لجميع مراتب ثبوت الأشياء ووجودها. فلذا قالوا بأنّ الكثرة منطوية في ذلك الموجود الواحد بالوحدة الشخصية ، وهذا الموجود الواحد سار في جميع الأشياء ، بمعنى كونه عين الكثير من غير
__________________
(١) القصص ٨٨.
(٢) البحار ٩٤ : ٢٤٣ ، عن اختيار السيّد ابن باقي.
(٣) نهج البلاغة ، الخطبة : ١.