يجعل فيهم آثار صنعه وحكمته وقدرته ، ويمكّنهم في الدنيا من معرفة دلائله. فيكون ذلك بمنزلة إشهادهم على ربوبيته وأخذ الإقرار منهم عليها.
وبعبارة اخرى : إنّهم يشهدون ويقولون بلسان الحال : بلى ، نظير قوله تعالى : ( فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ ) (١) ، وكما يقول القائل : جوارحي تشهد بنعمك.
أو يحملان على معناهما الحقيقي ولكن يقال بأنّ المراد من ذرّيّة بني آدم خصوص أولاد المشركين ممّن أكمل عقولهم وأرسل إليهم الأنبياء ، فآمنوا بهم وأقروا بالربوبية لله تعالى. وهو الذي نسبه الطبرسي إلى الجبائي والقاضي (٢).
أو يقال : إنّ المراد جماعة من ذرية بني آدم ، وهو خصوص قوم خلقهم الله وأشهدهم على أنفسهم بعد أن أكمل عقولهم وأجابوه بـ « بلى » ، وهم اليوم يذكرونه ولا يغفلون عنه ، ولا يكون ذلك عاما في جميع العقلاء.
وفيه : أنّ جميع ما ذكر مخالف لظاهر الآية المباركة من جهة ظهورها في إخراج جميع العقلاء من ذريّة بني آدم ، لا خصوص المؤمنين بالأنبياء ، ولا خصوص من لهم آباء مشركون ، كما أنّ المناسب لإرادة السنة المستمرة التعبير بالفعل المضارع ، نظير قوله : ( وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً ) (٣) ، و ( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ ) (٤) ، ونحوهما ، ولا يناسبه التعبير بالفعل الماضي. مضافا إلى أنّه طرح للروايات الكثيرة.
ومنه : أن ما استظهر من الآية المباركة ومن الروايات المباركات معارض لقوله تعالى : ( فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ. خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ ) (٥) ، و ( أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ) (٦) ، وأمثالهما من الآيات ، فلو كان مخلوقا قبل ذلك فلا يكون مخلوقا من ماء
__________________
(١) فصلت ١١.
(٢) مجمع البيان ٢ : ٤٩٨.
(٣) الروم ٢٤.
(٤) الرعد ٣٩.
(٥) الطارق ٥ ، ٦.
(٦) المرسلات ٢٠.