فمنه : أنّه لو كانت الذرّية مأخوذة من ظهر آدم كما هو ظاهر الروايات لقال الله تعالى : وإذ أخذ ربك من آدم من ظهره ذريته ، ولم يقل من بني آدم من ظهورهم ذريتهم.
وفيه : أنّ إخراج الذرّية من ظهور بني آدم ـ كما هو ظاهر الآية ـ لعلّه إشارة إلى أنّ الله تعالى أظهر علمه بأنّ الشخص الفلاني يتولد منه فلان ، ومن ذلك الفلان فلان آخر ، فعلى الترتيب الذي علم دخولهم في عالم التوالد والتناسل أخرجهم وميّز بعضهم من بعض ، وأشهدهم على ربوبيته ، وأقروا له بذلك. وأما أنّه أخرج كل تلك الذرّية من صلب آدم فيكفي في الدلالة عليه قوله : من بني آدم ، فإن فرض بني آدم فرض إخراجهم من صلب آدم.
فتحصّل منه أنّ الله أخرج أولاد آدم لصلبه من صلبه ، ثم أولادهم من أصلابهم ، ثم أولاد أولادهم من أصلاب أولادهم حتى ينتهي إلى آخرهم ، نظير ما يجري عليه الأمر في عالم التوالد والتناسل.
ولو سلم أنّه ليس في لفظ الآية ما يدل على ثبوته ولا ما يدل على بطلانه نقول : إنّ الأخبار المتواترة قد دلّت عليه ، فثبت إخراج الذرّية من ظهور بني آدم بالقرآن ، وثبت إخراجها من ظهر آدم بالأخبار ، ولا منافاة بينهما.
ومنه : أنّ إفادة الآية المباركة الإخبار عن أمر سابق ـ كما هو الوجه في الاستدلال بها ـ إنّما هو بمقتضى كلمة « إذ » والفعل الماضي : « أخذ » و « أشهد » ، ولكن ربما يستعمل الماضي ويراد به المستقبل لتحقق وقوعه ، كما في قوله تعالى : ( وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ ... قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ) (١). وربما يستعمل ويراد به الإخبار عن السنّة المستمرة فيما مضى وما يأتي.
فيحتمل أن يكون المراد من الآية هو المعنى الأخير ، أي إنّ السنة المستمرة فيما مضى ويأتي كذا ، بأن يحمل الإشهاد والإقرار على المعنى المجازي ، بأن يقال : إنّ الله يخرج نطف بني آدم من أصلاب الرجال إلى أرحام النساء ، وينشئها خلقا سويّا ، و
__________________
(١) المائدة : ١١٦ ، ١١٩.