دافق.
وفيه : أنّه بملاحظة قوله تعالى : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ ) (١) ، وقوله تعالى : ( يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ) (٢) ، الصريحين في الترتيب الزماني يظهر أنّ خلق الإنسان من النطفة لا ينفي كونه مسبوقا بخلقة اخرى ، منتقلا من صلب إلى رحم ، ومن رحم إلى صلب حتى يستقر في صلب أبيه الذي يتولد منه بصورة النطفة ، كما نشهد بذلك للمعصومين عليهمالسلام بقولنا : أشهد أنك كنت نورا في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة (٣).
ويدلّ على ما ذكرنا قول أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه في دعاء يوم عرفة : فابتدعت خلقي من منيّ يمنى وأسكنتني في ظلمات ثلاث ... الدعاء. فإنّ الخلق المبتدع من المني هو الخلق المنشأ من الأغذية ، وهو لا ينافي خلقا آخر له من قبل ذلك من التراب المخلوقة منه الأبدان الذرّية. كما يظهر من مجموع كلامه عليهالسلام : ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئا مذكورا ، خلقتني من التراب ثم أسكنتني الأصلاب آمنا لريب المنون واختلاف الدهور والسنين ، فلم أزل ظاعنا من صلب إلى رحم في تقادم من الأيام الماضية والقرون الخالية ، ولم تخرجني لرأفتك بي ولطفك لي وإحسانك إليّ في دولة أئمة الكفر الذين نقضوا عهدك وكذّبوا رسلك ، لكنك أخرجتني للذي سبق لي من الهدى الذي له يسّرتني ، وفيه أنشأتني ، ومن قبل ذلك رؤفت بي بجميل صنعك وسوابغ نعمك ، فابتدعت خلقي من منيّ يمنى ... الدعاء (٤) ، فإنّه كالصريح في الترتيب والتأخر الزماني ، وحمله على الرتبي ـ كما عن بعض ـ كما ترى.
__________________
(١) المؤمنون ١٢ ، ١٣ ، ١٤.
(٢) الزمر ٦.
(٣) انظر البحار ١٠٠ : ١٨٧ ، ٢٠٣ ، مفاتيح الجنان ٣٢٩ في زيارة النبيّ صلىاللهعليهوآله و ٣٣١ في زيارة أئمّة البقيع عليهمالسلام ، و ٤٣١ في زيارة الحسين عليهالسلام المعروفة بـ « زيارة وارث ».
(٤) الإقبال ٣٤٠ ، البحار ٩٨ : ٢١٦.