الّذي وقف فيه ليس من نصيبه في شيء وإنما هو من نصيب العلماء الّذين يكتبون وهم على بيّنة مما يكتبون ويفهمون ما يكتبون ويكتبون ما يفهمون.
وأما قوله : « فإنه لم يقل أحد من المؤرخين أن مريم عليهاالسلام جاءها المخاض في المسجد الأقصى ».
فيقال فيه : من أين لك أنه لم يقل بذلك أحد من المؤرخين؟ وجهلك به لا يكون علما بعدمه ، وعدم وجدانك له لا يكون دليلا على عدم وجود القائل به ، ولو كان الآلوسي ممن يتوخى الحقيقة لفتش عنها في منابتها ولكن يهون عليه أن يرتكب كلّ شيء ، ثم ليس في الإحتجاج ما يدل على أن مولده لم يكن بيت لحم أو فلسطين أو غير ذلك حتى يقال فيه إنه كذب محض ، وإنما الموجود في الإحتجاج أنه لما جاءها المخاض أمرها الله تعالى أن تخرج إلى الصحراء وتضع حملها تحت جذع النخلة وليس في هذا ما يقتضي الكذب ، وقد اقتص خبره القرآن بقوله تعالى : ( فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا. فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ ) [ مريم : ٢٢ ـ ٢٣ ].
فعلى زعمه يلزم أن يكون القرآن جاء بالكذب الصريح وهو كفر صراح نعوذ بالله منه ، ولا منافاة بين هذا وبين كون مولده في بيت لحم إذ أن بيت لحم ـ على ما حكاه ابن كثير في ( ص : ٦٦ ) من البداية والنهاية من جزئه الثاني كغيره من مؤرخي أهل السنّة ـ موضع بنى عليه ملوك الروم فيما بعد ؛ أي فيما بعد ولادة عيسى عليهالسلام هناك ، وهو أيضا كان في الصحراء على ما قاله الفخر الرازي في تفسيره الكبير ( ص ٥٢٦ ) من جزئه الخامس ، فراجع ثمة حتى تعلم جهل الآلوسي بالتأريخ ، وأن قوله لم يقل ذلك أحد من المؤرخين لم ينشأ في الحقيقة إلاّ عن عدم وقوفه على ما أدليناه ، وإليك ما قاله ابن كثير أحد مؤرخي علماء أهل السنّة في البداية والنهاية ( ص : ٦٣ و ٦٤ ) من جزئه الثاني.