وعلى كل حال فـ ( لو تشاحا ) على وجه لا ينافي عدالتهما ، بناء على اعتبارها ، لتخيل كل منهما الصلاح في ضد ما يقوله الآخر لم يمض ما ينفرد به كل واحد منهما عن صاحبه ، إلا ما لا بد منه ، مثل كسوة اليتيم ومأكوله والرقيق والدواب وإصلاح العقار ، وشراء كفن الميت ، ونحو ذلك مما لا يمكن تأخيره إلى وقت الاتفاق ، بل عن بعضهم زيادة قضاء ديونه ، وإنفاذ الوصية المعينة ، وقبول الهبة عن الصغير مع خوف فوات النفع ، والخصومة عن الميت ، وله عن الطفل ، وله الحاجة ، ورد الوديعة المعينة والعين المغصوبة.
وفي القواعد الفرق بين صورتي الإطلاق ، والنهي عن الانفراد ، فيجوز ذلك ، في الأول ، ولا يجوز في الثاني ، وفيه أنه لا فرق بينهما بعد تنزيل الإطلاق على عدم جواز الانفراد إلا بالظهور والصراحة ، وذلك لا يصلح فارقا ، كما أنه قد يناقش فيما قبله بأن ذلك لا ضرورة تقتضي فعله قبل الرجوع الى الحاكم ، أو عدول المؤمنين ، بل الأول أيضا كذلك ، فالمتجه ما عن المبسوط والحلبي من عدم جواز الانفراد مطلقا حتى في كسوة اليتيم ومأكوله امتثالا لنهي الموصى عنه.
نعم قد يتجه ذلك فيما تشتد الضرورة إليه ، على وجه لا يمكن الوصول الى الحاكم أو من يقوم مقامه ، فيتولاه حينئذ أحدهما أو غيرهما من العدول من باب الحسبة لا من حيث الوصاية ، ولعل الضابط ذلك ، وهو خارج عما نحن فيه من انفراد أحدهما من حيث الوصاية.
وكيف كان فلا ريب في أن ـ للحاكم الشرعي المعد لحسم أمثال ذلك جبرهما على الاجتماع مع الإمكان من غير استبدال ، لعدم ولاية له فيما فيه للميت وصي ، وعن الحلبي أنه يرد الحاكم إلى أعلمهما وأقومهما ، ويجعل الثاني تبعا له.
وأشكل بأن فيه تخصيصا لأحدهما بالنظر ، وقد منعه الموصى ، وقد يدفع بأن المراد الإجبار على الاجتماع الذي منه رد غير الأعلم إلى الأعلم ، ونحو ذلك مما مرجعه الى رد المرجوح في نظر الحاكم الى الراجح ، ولعله بذلك لا يكون منافاة بين القولين.
فان تعاسرا على وجه يتعذر جمعها جاز له الاستبدال بهما حذرا من الترجيح بلا مرجح ، وصونا لوصايا الميت عن التعطيل ، وحفظا للمال عن التلف ، ولبقاء