« وفيه نظر » بل ويظهر النظر في أصل استدلال المشهور ، بأن الأصل عصمة مال الغير من التصرف بغير إذنه ، خرج ذلك ما أذن فيه ، وهو سكناه بنفسه ، ومن في معناه ، فيبقى الباقي على أصل المنع ، ضرورة ابتناء ذلك على أن المفهوم من العاقد ذلك ، وحينئذ يكون النزاع مع ابن إدريس فيما يفهم منه عرفا ، فإن كان كما ذكره الشيخ وافقه ابن إدريس عليه ، وإن كان العكس انعكس الحال ، وقد سمعت من ابن إدريس أن مبنى منع الشيخ الخبر الذي أورده لا الفهم من عبارة العاقد ، وبالجملة إن كلمات هؤلاء المتأخرين في غاية التشويش ، لا يمكن الجمع بين تعليلهم المزبور وقولهم أن الأجرة للساكن إذا أذن المالك وقولهم بإرث حق السكنى فيما إذا كان الغاية عمر المالك ، وبين قولهم أنه ملك على وجه خاص.
نعم يتم ذلك بناء على أن هذه الخصوصية شرعية على نحو خصوصية الموقوف عليه ملك العين الموقوفة ، وخصوصية ملك أم الولد ، وغير ذلك مما ثبت من الشرع ، ويبقى المطالبة في دليل هذه الخصوصية ، وليس فيما نجد إلا الخبران المزبوران.
ولكن يشكل الخروج بهما عن مقتضى القواعد ، مع عدم استدلال أحد من الأصحاب بهما على ذلك ، اللهم إلا أن يقال ، بكفاية عمل المشهور على ما يوافقهما ولا ريب في أنه أحوط.
وإذا حبس فرسه مثلا في سبيل الله تعالى شأنه أو غلامه في خدمة البيت أو المسجد لزم ذلك. ولم يجز تغييره ما دامت العين باقية بلا خلاف أجده فيه ، كما اعترف به الحلي وغيره ، قال في المحكي من نوادر قضاء سرائره : « إذا كان الحبس على مواضع قرب العبادات مثل الكعبة والمشاهد والمساجد ، فلا يعاد إلى الأملاك ، ولا تنفذ فيه المواريث ، لأنه بحبسه على هذه المواضع ، خرج عن ملكه عند أصحابنا بلا خلاف ، مضافا إلى ما تقدم من النصوص في الصدقة (١) المتضمنة لعدم جواز الرجوع في كل ما يعطى لله تعالى شأنه ، بل صريح ما سمعته من الحلي نفي الخلاف في الخروج عن الملك ، فضلا عن اللزوم ،
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب أحكام الوقوف.