ذلك ، ومن العوض قال : لما عرفت من أن المتهب مخيرين الأمرين والمحقق لزومه هو الأقل ، لأنه إن كان العوض هو الأقل فقد رضى به الواهب في مقابلة العين ، وإن كان الموهوب هو الأقل فالمتهب لا يتعين عليه العوض ، بل يتخير بينه وبين بذل العين ، فلا يجب مع تلفها أكثر من قيمتها ، وهذا هو الأقوى ».
ولا يخفى عليك ما فيه بعد فرض عدم انفساخ العقد بذلك ، والإكتفاء برد العين مع وجودها لا يقتضي الإكتفاء بقيمتها بعد تلفها ، بل اللازم من اقتضاء قاعدة تعذر أحد فردي المخير التي اعترف بها تعين الفرد الثاني فتأمل جيدا ، فإن بعض الوهم هنا قد نشأ من الخلل في المسائل السابقة ، ومن تفسير الضمان بالمعنى المزبور الذي لا يتم إلا مع انفساخ العقد ، وكون العوض على طريق المعاوضات ، أما إذا كان بمعنى الثواب والجزاء بهبة جديدة فقد يتردد في الضمان من كونه كالعوض بالمعنى الأخص ومن منع ذلك ، وأنه لا يقتضي الضمان حينئذ ، وكذلك الكلام لو وجدها معيبة ، والله العالم.
المسألة السادسة : إذا صبغ الموهوب له الثوب مثلا فإن قلنا مثل هذا التصرف يمنع من الرجوع ، فلا رجوع للواهب ، وإن قلنا لا يمنع إذا كان الموهوب له أجنبيا رجع به وكان الموهوب له شريكا معه في الثوب ( بـ ) مقدار نسبة قيمه الصبغ إلى الثوب.
بل في المسالك لا فرق بين الصبغ ، وبين القصارة والطحن عندنا في ذلك ، وقد تقدم في الغبن وفي الفلس والعارية وغيرها النظر في أمثال هذه المسائل فلا حظ وتأمل كي تعرف أيضا الحكم فيما لو كان للموهوب غرس ونحوه ورجع الواهب ، فإن لكل ما له ، وأنه هل لصاحب الأرض إجبار الغارس على ازالته مجانا ، أو ليس له ذلك بل يتخير بين الإبقاء بأجرة ، والقلع مع الأرش ، والله العالم والمؤيد.
المسألة السابعة : إذا وهب في مرضه المخوف ، وبرء صحت الهبة بلا خلاف ولا إشكال فيها ، ولا في شيء من تصرفاته المجانية وإن مات في مرضه ، ولم تجز الورثة اعتبرت من الثلث على الأظهر كما عرفت البحث فيه مفصلا في كتاب الحجر ، والله هو العالم ، والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا وظاهرا وباطنا والشكر لله.