استولت الدنيا على شعوره وتفكيره وأخذت بمجامع قلبه فلم يكن للآخرة عنده نصيب ، لذلك جعل يردد هذه الأبيات :
تطاول ليلي واعترتني وساوسي |
|
لآتٍ أتى بالترهات البسابس |
أتاني جرير والحوادث جَمّة |
|
بتلك التي فيها اجتداع المعاطسِ |
أكايده والسيف بيني وبينه |
|
ولست لأثواب الدنيء بلابس |
إن الشامُ أعطت طاعة يمنيةً |
|
تواصفها أشياخها في المجالس |
فان يفعلوا أصدم علياً بجبهةٍ |
|
تفت عليها كل رطب ويابس |
واني لأرجو خير ما نال نائل |
|
وما أنا من ملك العراق بآيس (١) |
ثم إن جريراً جعل يستحث معاوية بالبيعة لعلي ( ع ) ، فقال له معاوية : يا جرير ، أنها ليست بخلسة وأنه أمر له ما بعده ، فابلعني ريقي حتى أنظر .
وكان بإمكان معاوية أن يرفض البيعة حين جاءه جرير بكتاب علي وليكن ما يكون ولكنه في الفترة التي كان يكايد فيها جريراً ويوهمه أنه ينظر في الأمر ، كان قد بدأ بتجميع القوى الشامية وتكريسها لصالحه وتأهيلها للحرب وكأنه بذلك يرد على كتاب علي بأنه والشام على أهبة الاستعداد لمواجهته عسكرياً ، لذلك دعا قادة الجند وزعماء القبائل ممن يثق بهم للإِستشارة ، فأشار عليه أخوه عتبة بن أبي سفيان بعمرو بن العاص ، وقال له إنه من قد عرفت ، وقد اعتزل عثمان في حياته ، وهو لأمرك أشد إعتزالاً إلا أن يثمن له دينه .
معاوية يستعين بعمرو بن العاص وشرحبيل
فاستدعى معاوية عمراً ، فاشترط عليه ولاية مصر . ثم استقدم شُرَحْبيل بن السمط ، رئيس اليمنية وشيخها والمقدم عليها ، ودسَّ إليه الرجال يغرونه بعلي ( ع ) ، ويشهدون عنده أنه قتل عثمان حتى ملأوا صدره وقلبه
__________________
(١) شرح النهج ٣ / ٧٨ .