فلأنّهم يعدّون العمل عنصراً مؤثراً في الايمان بحيث يكون تارك العمل كافراً ، وقد اشتهر عنهم بأنّ مرتكب الكبائر كافر ، وليس المؤمن إلاّ من تحرّز من الكبائر.
وأماّ الثانية : فلأنهّم يعتقدون أنّ مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين ، لا مؤمن ولا كافر. والمعتزلة أخفّ وطأة من الخوارج ، وإن كانت الطائفتان مشتركتين في إدخال العمل في حقيقة الايمان.
٣ ـ إنّ مرتكب الكبيرة لا يخلّد في النار وإن لم يتب ، ولا يحكم عليه بالوعيد والعذاب قطعاً لاحتمال شمول عفوه سبحانه له ، خلافاً للمعتزلة الّذين يرون أنّ صاحب الكبيرة يستحقّ العقوبة إذا لم يتب وإنّ من مات بلا توبة يدخل النّار ، وقد كتبه الله على نفسه فلا يعفو (١).
هذه عقيدة المرجئة عرضناها على وجه الإجمال. وقد تأثّر أهل السنّة ببعض هذه الفروع كالقول بعدم تخليد عصاة المؤمنين في النار ، وجواز تخلّف الوعيد دون الوعد.
وهيهنا سؤال وهو أنّه إذا كانت حقيقة الإرجاء هو الاكتفاء في الحكم بالايمان بالتصديق القلبي ، أو الإقرار باللسان ، فما هو الوجه في لعنهم والتبرّي منهم ، اذ ليست هذه النظرية بمجرّدها سبباً للّعن والتحاشي والتبرّي بهذه الدرجة.
والإجابة عنه : هي إنّ التبرّي منهم ليس لأجل هذه النّظرية ، بل لأجل أنهّم جرّدوا الأعمال من الايمان ولم يعتقدوها من الفرائض (٢) ولم يتقيّدوا بها في مجال الفعل والترك ، ولأجل ذلك أصبح الايمان عندهم يتلخّص في التصديق القلبي ، والإقرار اللّفظي.
ولا يخفى أنّ هذه العقيدة خاطئة جدّاً ، إذ لو صحّت فعندئذ لا يتجاوز الايمان عن التصديق القلبي أو الإقرار باللسان ، فما أسهل الإسلام وأيسره لكلّ من انتسب إليه ولو انتساباً شكليّاً.
__________________
١ ـ ذكر الشيخ الأشعري فروعاً آخر لهم في هذا المجال. لاحظ مقالات الإسلاميين ص ١٢٦ ـ ١٤٧.
٢ ـ كنز الفوائد ص ١٢٥ ط بيروت.