ولأجل اختلاف المفسّرين في مفاد الآية ،
التجأ هو إلى « تفويض معناها إلى الله » ، وقال : « وأمّا الأصل عندنا في ذلك أنّ
الله تعالى قال : ( ليس كمثله شيء ) فنفى عن نفسه ، شبه خلقه ، وقد بيّنا
أنّه في فعله وصفته متعال عن الأشباه ، فيجب القول بأنّ الرحمن على العرش استوى
على ما جاء به التنزيل ، وثبت ذلك في العقل. ثمّ لا نقطع تأويله على شيء لاحتمال
غيره ممّا ذكرنا » .
فالماتريدي ينفي بتاتاً كونه سبحانه على
العرش، حتّى على النّحو اللائق به الّذي ملأ كتب الأشاعرة وينزّهه عن تلك الوصمة ،
ولكن لّما كانت المعاني الأُخرى متساوية عنده ، لم يجزم بشيء منه ، وفوّض المراد
إليه سبحانه ، ولأجل ذلك لخّص البياضي نظريّة الامام الماتريدي وقال : « ولا يؤوّل
المتشابهات ويفوِّض علمها إلى الله مع التنزيه عن إرادة ظواهرها » . ومراده من « المتشابهات » هوالصفات
الخبريّة الواردة في الكتاب والسنّة.
وأمّا البزدوي ـ أحد أئمّة الماتريدية
في القرن الخامس ـ فيظهر منه الجنوح إلى إمكان الوقوف على مقاصد الكتاب في هذه
الصفات. قال في مسألة « أنّ الله لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء » : فإن قالوا قد
وجد دلائل الاجسام فإنّه يوصف بالاتيان قال الله تعالى ( هَلْ
يَنْظُرُونَ إلاّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَل مِنَ الغَمَامِ ) ( البقرة / ٢١٠ ) وقال ( وجَاءَ
رَبُّكَ والمَلِكُ صَفّاً صَفّاً )
( الفجر / ٢٢ ) ويوصف بالاستواء على العرش قال الله تعالى ( ثُمَّ
اسْتَوى عَلَى العَرْشِ )
( يونس / ٣ ). والاتيان والاستواء على المكان من صفات الجسم ، وكذلك يوصف بأنّ له
أيدياً وأعيناً ، قال الله تعالى ( ممّا عَمِلَتْ
أيْدِينا أنْعَاما )
( يس / ٧١ ) ( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا
) ( الطور /
٤٨ ) وهذا من أمارات الأجسام.
ثمّ أجاب عن كلّ واحد بأنّا نصفه بذلك
كما وصف اللّه تعالى به نفسه وهو
__________________