العرش الّذي هو فوق السماوات. فلولا أنّ الله عزّ وجلّ على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش كما لا يحطّونها إذا دعوا إلى الأرض (١).
ومن تأمّل في ظواهر كلماته ودلائله لا يشكّ في أنّ الشيخ يعتقد بكونه سبحانه على العرش فوق السّماوات ، وأيّ كلام أصرح من قوله « فلولا أنّ الله عزّ وجلّ على العرش » فلو صحّت نسبة النسخة من ( الابانة ) إلى الشّيخ، وكانت مصونة عن دسّ الحشويّة والحنابلة (٢) ، فهو من المشبّهة قطعاً ، غير أنّه لدفع عار التشبيه والتجسيم عن نفسه ، يتدرّع بلفظة « بلا كيف أو « على نحو يليق به » أو « من غير طول الاستقرار » وقد أوضحنا حال هذه الألفاظ في الجزء الثاني.
والعجب أنّ الشيخ يفسّر الرفع الوارد في الآيات تصريحاً ، أو تلويحاً ، بالرفع الحسّي. مع أنّ في نفس الآيات ـ لدى التدبّر ـ قرائن تدلّ على كون الرفع ، هو الرفع المعنوي لا الحسّي والصعود المادّي.
وأعجب منه أنّه نسب إلى الكليم عليهالسلام أنّه قال لفرعون : إنّ الله سبحانه فوق السماوات ، فصار فرعون بصدد تكذيبه إذ قال لهامان : « ابن لي صرحاً لعلّي أطّلع إلى إله موسى » مع أنّه أشبه بالرجم بالغيب ، إذ من الممكن أن يكون المصدر لاعتقاده بكون إله موسى في السماء ، هو اجتهاده الشخصي الخاطئ، بأنّه إذا لم يكن إله موسى في الأرض كسائر الآلهة ، فلا محالة هو في السماء ، ولأجل ذلك طلب من هامان بناء
__________________
١ ـ الابانة : ص ٨٥ ـ ٨٦.
٢ ـ إنّ الشيخ محمد زاهد الكوثري الماتريدي لا يرى للكتب المطبوعة باسم الأشعري أصالة لأنّها بحرفيتها نفس عقائد الحشوية مع أنّ المعروف أنّهم أعداء له.
يقول : وطبع كتاب ( الابانة ) لم يكن من أصل وثيق ، وفي ( المقالات ) المنشور باسمه وقفة ، لأنّ جميع النسخ الموجودة اليوم من أصل وحيد كان في حيازة أحد كبار الحشوية ممن لا يؤتمن لا على الاسم ، ولا على المسمّى ، بل لو صحّ الكتابان عنه على وضعهما الحاضر ، لما بقي وجه لمناصبة الحشوية العداء له على الوجه المعروف ، على أنّه لا تخلو آراؤه من بعض ابتعاد عن النّقل مرّة ، وعن العقل مرة اُخرى ، في حسبان بعض النظار كقوله في التحسين والتعليل ، وفيما يفيده الدليل النقلي ( مقدمة اشارات المرام : ص ٧ ). أقول : إنّ الاعتزال عن العقل ، وإعلان الالتحاق بأهل الحديث الّذين أعدموا العقل ، والإلتجاء إلى كل ما سمي حديثاً لا ينتج إلاّ ما جاء في الكتابين ، فلا وجه للتشكيك في مضامينهما.