بالتضييع ، لايستلزم سقوط العقاب والمؤاخذة ، وقد اشتهر بين القوم أنّ الامتناع بالاختيار ، لاينافي الاختيار عقاباً لا خطاباً ، ولو كان الماتريدي واقفاً على أنّ القائلين بامتناع التكليف بما لايطاق ، قائلون بصحّة عقوبة من ضيّع القدرة ، وجعل نفسه في عداد العجزة ، لما فصّل بين من مُنع منه الطّاقة ، ومن ضيّعها ، ولما ضرب الجميع بسهم واحد.
ذهبت الأشاعرة إلى أنّ أفعاله سبحانه ليست معلّلة بالأغراض ، وأنّه لا يجب عليه شيء ، ولا يقبح عليه شيء ، واستدلّوا على ذلك بما يلي :
١ ـ لو كان فعله تعالى لغرض ، لكان ناقصاً لذاته ، مستكملاً بتحصيل ذلك الغرض ، لأنّه لا يصلح غرضاً للفاعل إلاّ ما هو أصلح له من عدمه ، وهو معنى الكمال (١).
وقالت الماتريديّة : أفعاله تعالى معلّلة بالمصالح والحكم تفضّلاً على العباد ، فلا يلزم الاستكمال ولا وجوب الأصلح واختاره صاحب المقاصد (٢).
هل الغاية ، غاية للفاعل أو للفعل؟
إنّ الأشعري خلط بين الغرض الراجع إلى الفاعل ، والغرض الراجع إلى فعله ، فالاستكمال موجود في الأوّل دون الثاني ، والقائل بكون أفعاله معلّلة بالأغراض ، والغايات ، والدواعي ، والمصالح ، إنّما يعني بها الثاني دون الأوّل ، والغرض بالمعنى الأوّل ينافي كونه غنيّاً بالذات ، وغنيّاً في الصِّفات ، وغنيّاً في الأفعال ، والغرض بالمعنى الثاني يوجب خروج فعله عن كونه عبثاً ولغواً ، وكونه سبحانه عابثاً ولاغياً ، فالجمع بين كونه غنيّاً غير محتاج إلى شيء ، وكونه حكيماً منزّهاً عن العبث واللّغو ، يتحقّق بالقول باشتمال
__________________
١ ـ المواقف : ص ٣٣١.
٢ ـ اشارات المرام : ص ٥٤.