بالتأمّل في نفس الآية الكريمة وما احتفّ بها من القرائن اللفظية أو ما جاء في الآيات الأخر. وهذا القسم لو صحّت تسميته بالتأويل ، تأويل مقبول. كيف وهو ليس بتأويل بمعنى صرف الكلام عن ظاهره والأخذ بخلاف الظاهر ، بل واقعيته تحديد ظاهر الكلام ، وتعيينه. وهذا من خواصّ كلِّ كلام مشتمل على نكات بديعة ومعاني رفيعة ألقي لهداية الناس باختلاف طبقاتهم وتعدّد ثقافاتهم. ومثل هذا لو صحّ عليه أنّه أخذ بخلاف الظاهر فإنّما هو أخذ بخلاف الظاهر الحرفي ورفض لظاهره الابتدائي. وأمّا الظاهر التصديقي والاستمراري فهو عين الأخذ به. ونمثِّل لك مثالاً :
إذا قال القائل في تبيين سماحة شخص وجوده : « فلان كثير الرّماد » فهناك ظاهر حرفي وظاهر تصديقي ، كما أنّ هناك ظاهراً بدئياً وظاهراً استمراريّاً.
فالأوّل مرفوض جدّاً ، فإنّ كثرة الرّماد في البيت لو لم يكن ذمّاً لا يكون مدحاً ، مع أنّ القائل بصدد المدح.
والثاني مقبول عند العقلاء وعليه يدور رحى الفصاحة والبلاغة وإلقاء الخطب الرنانّة وإنشاء الكلم اللّذيذة على الأسماع.
إنّ المعتزلة في تفسير الآيات الواردة في مجال الصفِّات بين تأويل مرفوض ، وتأويل مقبول. فتارة يؤوّلون الكلام بحجّة أنّه يخالف العقل ولا يذكرون للتّأويل قرينة مقاليّة أو شاهداً من سائر الآيات. وهذا يعرب عن أنّ الغاية منه هو التخلّص من مخالفة النقل مع العقل ، وهذا هو التأويل المرفوض ، فحاشا أن يكون النقل مخالفاً للعقل. بل المخالفة تتراءى إمّا لعدم تشخيص حقيقة النّقل وتخيّل ما ليس بظاهرها ظاهراً ، أو لاشتباه العقل فيما يحكم ويبرم.
وأخرى يؤوّلون معتمدين على القرائن والشّواهد الّتي تثبت الظهور التصديقي وتوقفنا على أنّ الظهور البدائي أو التصوّري ليس بمراد. وهذا هو التّأويل المقبول ،