تقف على أنّ ما ردّ
به تلك النظرية ناش عن عدم الوقوف على مراد القائل ، ولو أنّهم كانوا واقفين على
مصدر هذه النظريّة لما وجّهوا إليها سهامهم المرقوشة ، وإليك تلك الردود واحداً
بعد الآخر.
١ ـ قال الأشعري : « وألزم أبو الهذيل
فقيل له : إذا قلت إنّ علم الله هو الله فقل : يا علم الله اغفر لي وارحمني فأبى
ذلك ، فلزمته المناقضة ».
٢ ـ وقال : « إنّ من قال عالم ولا علم ،
كان مناقضاً ، كما أنّ من قال علم ولا عالم كان مناقضاً » .
يلاحظ
عليه : أمّا أوّلاً : فإنّ أبا الهذيل لم
يقل بالوحدة من حيث المفهوم وإنّما قال بالوحدة من حيث التحقق والعينيّة وما ذكره
من النّقض إنّما يرد على الوجه الأوّل لا على الوجه الثاني. فلا يصحّ أن يقال « يا
علم الله اغفرلي » ، لأنّ المفهوم من لفظ علم الله غير المفهوم من لفظ الجلالة ، فلا
يصحّ أن يوضع « علم الله » من حيث المفهوم مكان لفظ « الله » ويدعى بمفهوم غيره ، ولأجل
ذلك لا يصحّ أن يقال يا موجود ، ويقصد به الله سبحانه ، بحجّة أنّ ماهيّته إنيّته
، ووجوده نفس ماهيّته.
وأمّا ثانياً : فبأنّ الشيخ الأشعري خلط
بين نظريّة أبي الهذيل ونظرية الجبّائي الّذي تتلمذ عليه الشيخ الأشعري سنين
متمادية إلى أن رفضه ورفض مذهبه ، وانسلك في عداد الحنابلة. فتصوّر أنّ مذهب أبي
عليّ نفس مذهب أبي الهذيل. ففي مذهب أبي علي ، الذات خالية من الصّفات الحقيقيّة ،
غير أنّها نائبة منابها ، ولأجل هذه النيابة يصحّ الحمل ، ويجيء توضيحه عمّا قريب
، بخلافه على مذهب أبي الهذيل.
٣ ـ قال البغدادي : « الفضيحة الرابعة
من فضائحه ( أبي الهذيل ) قوله بأنّ علم الله سبحانه وتعالى هو الله وقدرته هي هو
، ويلزمه على هذا القول أن يكون الله تعالى علماً وقدرة ، ولو كان هو علماً وقدرة
لاستحال أن يكون عالماً قادراً ، لأنّ العلم لا يكون
__________________