الاُصول خمسة على الوجه الّذي عرفت ، وجعلها في « المغني » (١) اثنين : التوحيد والعدل. وجعل غيرهما داخلاً في ذينك الأصلين. وجعلها في كتاب « مختصر الحسنى » ، أربعة : التوحيد والعدل والنبوّات والشرائع ، وأدخل الوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشرائع. ويظهر من كلمات تلاميذه الّذين أملى لهم القاضي كتاب « الاُصول الخمسة » أنّ ما فعله في « المغني » هو الأرجح ، قالوا :
إنّ النبوّات والشرائع داخلان في العدل ، لأنّه كلام في أنّه تعالى إذا علم أنّ صلاحنافي بعثة الرُّسل وأن نتعبّد بالشريعة ، وجب أن يبعث ونتعبّد ، ومن العدل أن لا يُخلّ بما هو واجب عليه. وكذلك الوعد والوعيد داخل في العدل. لأنّه كلام في أنّه تعالى إذا وعد المطيعين بالثّواب ، وتوعّد العصاة بالعقاب فلا بدّ من أن يفعل ولا يخلف في وعده ولا في وعيده ، ومن العدل أن لا يُخلف ولا يكذب ، وكذلك المنزلة بين المنزلتين داخل في باب العدل ، لأنّه كلام في أنّ الله تعالى إذا علم أنّ صلاحنا في أن يتعبّدنا بإجراء أسماء وأحكام على المكلّفين وجب أن يتعبّدنا به ، ومن العدل أن لا يُخلّ بالواجب وكذا الكلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فالأولى أن يقتصر على ما أورده « في المغني » (٢).
يلاحظ عليه : أوّلاً : ـ أنّه لو صحّ إدخال المنزلة بين المنزلتين في باب العدل ، حسب البيان الّذي سمعت ، لصحّ إدخال المعارف العقليّة كلّها تحته بنفس البيان ، بأن يقال إنّ الله تعالى إذا علم أنّ صلاحنا أن يتعبّدنا بالمعارف وجب أن يتعبّدنا بها ، ومن العدل أن لا يُخلّ بالواجب ، ولا أرى أنّ واحداً من المعتزلة يقبل ذلك.
وثانياً ـ إنّ الاُصول الاعتقاديّة على قسمين :
قسم يجب الاعتقاد به بنفس عنوانه ولا يكفي الاعتقاد بالجامع البعيد الّذي يشمله ، وذلك كالاعتقاد بنبوّة النّبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم وعموميّة رسالته وخاتميتها ، فالكلّ ممّا
____________
١ ـ من أبسط كتب القاضي وأهمها ، يقع في عشرين جزءاً ، طبع منه أربعة عشر جزءاً ولم يعثر على الباقي.
٢ ـ شرح الاُصول الخمسة : ص ١٢٣.