عقائدهم في الجزء الأول من هذه السلسلة ، وإنّما نقوم ببيان الاُصول المهمّة الّتي افترق فيها عن الأشعري ، مع الاعتراف بأنّ الماتريدي يتدرّع في بعض الموارد بنفس ما يتدرّع به الأشعري ، ومن هذا الباب تصحيح القول بالرؤية ، فإنّ القول برؤيته في النشأة الآخرة ملازم لكونه سبحانه محاطاً وواقعاً في جهة ومكان ، ومن أجل ذلك قام العلمان في دفع الإشكال على نمط واحد ، وهو أنّ الرؤية تقع « بلا كيف » أو ما يفيد ذلك ، حتّى يُرضيا بذلك أهل النقل والعقل.
قال ابن عساكر : « قالت الحشويّة المشبِّهة : إنّ اللّه سبحانه وتعالى يرى مكيّفاً محدوداً كسائر المرئيات ، وقالت المعتزلة والجهمية والنجارية : إنّه سبحانه لا يرى بحال من الأحوال فسلك الأشعري طريقاً بينهما فقال : يرى من غير حلول ، ولا حدود ، ولا تكييف ، كما يرانا هو سبحانه وتعالى ، وهو غير محدود ، ولا مكيّف » (١).
وقد نقلنا نصوص نفس الأشعري في موضع الرؤية عند عرض عقائده (٢).
وقال الماتريدي في ذلك البحث : « فإن قيل : كيف يرى؟ قيل : بلا كيف ، إذ الكيفيّة تكون لذي صورة ، بل يرى بلا وصف قيام وقعود ، واتّكاء وتعلّق ، واتّصال وانفصال ، ومقابلة ومدابرة ، وقصير وطويل ، ونور وظلمة ، وساكن ومتحرِّك ، ومماسّ ومباين ، وخارج وداخل ، ولا معنى يأخذه الوهم ، أو يقدره العقل ، لتعاليه عن ذلك » (٣).
يلاحظ عليه : أنّ الرؤية بهذه الخصوصيّات إنكار لها ، وأشبه بالأسد بلا ذنب ، ولارأس.
والّذي تبيّن لي بعد التأمّل في آرائه في كثير من المسائل الكلاميّة ، أنّ منهجه كان يتمتّع بسمات ثلاث :
١ ـ الماتريدي أعطى للعقل سلطاناً أكبر ، ومجالاً أوسع ، وذلك هو الحجر الأساس
__________________
١ ـ تبيين كذب المفتري لابن عساكر : ص ١٤٩ ـ ١٥٠.
٢ ـ لاحظ الجزء الثاني : ص ٢٠١.
٣ ـ التوحيد للماتريدي : ص ٨٥.