فكانت الطّائفتان تتصارعان صراع الأقران وربّما يقتتلان قتال موت وحياة ، فكيف يمكن أنّ تكون الشّيعة عالة على المعتزلة في عقائدهم. فمن نسب ذلك إلى الشيعة فقد جهل تأريخ علم الكلام. فأين مبادئ الشيعة من مبادئ الاعتزال؟ فهما وإنّ كانا يشتركان في التوحيد والعدل ونفى الرؤية والتجسيم والقول بالتحسين والتقبيح العقليّين ، ولكن يفترق
أنّ في كثير من الاُصول وتكفي في ذلك المراجعة لكتاب « أوائل المقالات » (١) للشيخ المفيد ، فقد عنون فيه بعض الفوارق الموجودة بين عقيدة الشيعة وسائر الفرق ومنهم المعتزلة.
إنّ بين المنهجين الكلاميين مشتركات ومعترقات ، وقد تعرفت على قسم من المشتركات ، فها نحن نلمح إلى الفوارق بينهما ، الّتي جعلهما منهجين كلاميين مختلفين لكّل ميزة وخصوصيّة ، وإليك رؤوسها على وجهه الإجمال :
اتفقت الطاتئفتان على أنّ صفاته الذاتية ليست زائدة على الذات ، بمعنى أنّ تكون هناك ذات ، وصقة وراءها ، كما في المكنات فإنّ الإنسان له ذات وله علم وقدرة ، هذا ممّا اتّفقتا عليه ، ولكنّهما اختلفتا في تفسير ذلك ، فالعيشة الإميّة ذهبت إلى أنّ الوجود في مقام الواجب بالغ من الكمال على حدّ يعد نفس العلم والضابطة الكلية حتى في مقام الواجب بل الموصوف هناك لأجلّ الكمال المفرط نفس الصفة ، ولا مانع من كون العلم في درجة ، قائماً بالذات ، وفي اُخرى نفس الذات ، وما هذا إلاَ لأنَ زيادة الوصف على الذات توجب حاجتها إلى شيء وراءها ، وهو ينافي وجوب
__________________
١ ـ اوائل المقالات : ص ٨ ـ ١٦.