لأنه لا ملك ظاهرا فيه لأحد إلا الله تعالى بدليل لمن الملك اليوم لله ومن قرأ مالك فمعناه مالك الأمر كله في يوم القيامة ، أي هو موصوف بذلك دائما كغافر الذنب ، فصح وقوعه صفة للمعرفة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (٥) أي نخصك بالعبادة من توحيد وغيره ، ونطلب المعونة على العبادة
____________________________________
ملك أعم وأبلغ من (مالِكِ) إذ كل ملك مالك ، ولا عكس ، ولأن أمر الملك نافذ على المالك في ملكه ، حتى لا يتصرف المالك إلا عن تدبير الملك ، وقيل : (مالك) أبلغ لما فيه من زيادة البناء ، فتدل على كثرة الثواب.
قوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ إِيَّاكَ) مفعول مقدم ل (نَعْبُدُ) قدم لإفادة الحصر والاختصاص ، و (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) معطوف علي (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) أي لا نعبد إلا إياك ، ولا نستعين إلا بك ، لأنك الحقيق بتلك الصفات العظام ، والمعنى : يا من هذا شأنه نخصك بالعبادة والاستعانة ، فهذا ترقّ من البرهان إلى العيان ، والغيبة إلى الحضور ، فهو تعليم من الله تعالى لعباده كيفية الترقي ، فإن العبد إذا ذكر الحقيق بالحمد ، وهو رب الأرباب ، عن قلب حاضر ، يجد ذلك العبد من نفسه محركا للإقبال عليه ، وكلما أجرى على قلبه ولسانه صفة من تلك الصفات العظام ، قوي ذلك المحرك ، إلى أن يؤول ذلك الأمر لخاتمة تلك الصفات ، فحينئذ يوجب ذلك المحرك لتناهيه في القوة ، إقبال ذلك على العبد على ربه وخالقه المتصف بتلك الصفات ، فانتقل من الغيبة لخطابه والتلذذ بمناجاته ، فأول الكلام مبني على ما هو مبادي حال العارف من الذكر والفكر والتأمل في أسمائه العظام ، والنظر في آلائه والاستدلال بصنعه على عظيم شأنه وباهر سلطانه ، ثم بعد ذلك أتى بمنتهاه ، وهو الخطاب والحضور المشعر بكونه في حضرة الشهود ، وإلى هذا المعنى أشار بعض العارفين بقوله :
تلك آثارنا تدل علينا |
|
فانظروا بعدنا إلى الآثار |
وهو مقام الإحسان المشار له بقوله صلىاللهعليهوسلم : «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه» واعلم أن (إِيَّاكَ) واجب الانفصال ، واختلف فيه هل من قبيل الأسم الظاهر؟ وبه قال الزجاج أو هو ضمير؟ وعليه الجمهور ، واختلف القائلون بأنه ضمير على أربعة أقوال ، أحدها : أنه كله ضمير. الثاني أن إياه وحده ضمير ، وما بعده اسم مضاف إليه يفسر ما يراد به من تكلم وغيبة وخطاب. الثالث : أن إيا وحده ضمير ، وما بعده حروف تفسر ما يراد منه وهو المشهور. الرابع أن إيا عماد ، وما بعده ضمير ، والضمير المستكن في (نَعْبُدُ) و (نَسْتَعِينُ) للقارىء ومن معه من الحفظة وحاضري صلاة الجماعة ، أو له ولسائر الموحدين ، أدرج عبادته في عباداتهم ، وخلط حاجته بحاجاتهم ، لعل عبادته تقبل ببركة عباداتهم ، وحاجته يجاب إليها ببركة حاجاتهم ، ومن هنا شرعت الجماعة في الصلوات ، قال تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) وقال صلىاللهعليهوسلم : «يد الله مع الجماعة».
قوله : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) كرر الضمير للدلالة على تخصيصه تعالى بكل من العبادة والاستعانة والتلذذ بالمناجاة والخطاب ، وقدم العبادة على الاستعانة لأنها وصلة لطلب الحاجة ، فإذا أفرد العبد ربه بالعبادة أعانه ، وحذف المعمول من كل ليؤذن بالعموم ، فيتناول كل معبود به ، وكل مستعان عليه ، وأصل (نَسْتَعِينُ) نستعون ، استثقلت الكسرة على الواو ، فنقلت إلى الساكن قبلها ، فسكنت الواو بعد النقل ،