والعشي (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ) بيعة الرضوان بالحديبية (إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) هو نحو : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) التي بايعوا بها النبي ، أي هو تعالى مطلع على مبايعتهم فيجازيهم عليها (فَمَنْ نَكَثَ) نقض البيعة (فَإِنَّما يَنْكُثُ) يرجع وبال نقضه (عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ) بالياء والنون (أَجْراً عَظِيماً) (١٠) (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ) حول المدينة ، أي الذين خلفهم الله عن صحبتك لما طلبتهم ليخرجوا معك إلى مكة خوفا من تعرّض قريش لك عام الحديبية إذا رجعت منها (شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا) عن الخروج معك (فَاسْتَغْفِرْ لَنا) الله من ترك الخروج معك ، قال تعالى : مكذبا لهم (يَقُولُونَ
____________________________________
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ) الخ ، لما ذكر سبحانه وتعالى أنه أرسله بشيرا ونذيرا ، بين أن متابعته متابعة له ، وطاعته له ، وذلك يشعر بعظيم منزلته وقدره عند ربه ، والبيعة في الأصل العقد الذي يعقده الإنسان على نفسه ، من بذل الطاعة للإمام ، والوفاء بالعهد الذي التزمه له ، والمراد بها هنا ، بيعة الرضوان بالحديبية ، وهي قرية ليست كبيرة ، بينها وبين مكة أقل من مرحلة أو مرحلة ، سميت ببئر هناك ، واختلف فيها ، فقيل من الحرم ، وقيل بعضها من الحل ، يجوز فيها التخفيف والتشديد.
قوله : (إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) اعلم أن في هذا المقام ، استعارة تصريحية تبعية ومكنية وتخييلية ومشاكلة ، فالتبعية في الفعل هو (يُبايِعُونَ) وذلك لأن المبايعة معناها مبادلة المال بالمال ، فشبه المعاهدة على دفع الأنفس في سبيل الله ، طلبا لمرضاة الله بدفع السلع في نظير الأموال ، واستعير اسم المشبه به للمشبه ، واشتق من البيع (يُبايِعُونَ) بمعنى يعاهدون على دفع أنفسهم في سبيل الله والمكنية في لفظ الجلالة ، وذلك لأن المتعاهدين إذا كان هناك ثالث ، يضع يده فوق يديهما ليحفظهما ، فشبه اطلاع الله ومجازاته على فعلهم ، بملك وضع يده على يد أميره ورعيته ، وطوى ذكر المشبه به ، ورمز له بشيء من لوازمه وهو اليد ، فإثباتها تخييل ، والمشاكلة لذكر الأيدي بعده. قوله : (هو نحو من يطع الرسول) الخ ، أي من حيث إنه في المعنى يرجع له ، وفيه إشارة إلى أنه تعالى منزه عن الجوارح. قوله : (يرجع وبال نقضه) أشار بذلك إلى أن في الكلام حذف مضافين. قوله : (بالياء والنون) أي وهما قراءتان سبعيتان. قوله : (أَجْراً عَظِيماً) أي وهو الجنة ، وهذه الآية وإن كان سبب نزولها بيعة الرضوان ، إلا أن العبرة بعموم اللفظ ، فيشمل مبايعة الإمام على الطاعة والوفاء بالعهد ، ومبايعة الشيخ العارف على محبة الله ورسوله ، والتزام شروطه وآدابه ، ومن هنا استعمل مشايخ الصوفية هذه الآية عند أخذ العهد على المريد.
قوله : (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ) الخ ، أي وهم غفار ومزينة وجهينة وأشجع ، وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمرا ، طلب من الأعراب وأهل البوادي حول المدينة ، أن يخرجوا معه ، حذرا من قريش أن يتعرضوا له بحرب ، ويصدوه عن البيت ، فأحرم بالعمرة ، وساق الهدي ، ليعلم الناس أنه لا يريد حربا ، فتثاقل عنه كثير من الأعراب ، وتخلفوا عنه وقالوا : يذهب إلى قوم قد غزوه في قعر داره بالمدينة وقتلوا أصحابه. قوله : (حول المدينة) حال من الأعراب أو صفة لهم. قوله : (إذا رجعت منها) ظرف ليقول. قوله : (وَأَهْلُونا) أي النساء والصبيان ، فإنا لو تركناهم لضاعوا ،