امتلأت (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ) قربت (لِلْمُتَّقِينَ) مكانا (غَيْرَ بَعِيدٍ) (٣١) منهم فيرونها ويقال لهم (هذا) المرئي (ما تُوعَدُونَ) بالتاء والياء في الدنيا ، ويبدل من المتقين قوله (لِكُلِّ أَوَّابٍ) رجاع إلى طاعة الله (حَفِيظٍ) (٣٢) حافظ لحدوده (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) خافه ولم يره (وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) (٣٣) مقبل على طاعته ، ويقال للمتقين أيضا (ادْخُلُوها بِسَلامٍ) أي سالمين من كل مخوف أو مع سلام أي سلموا وادخلوا (ذلِكَ) اليوم الذي حصل فيه الدخول (يَوْمُ الْخُلُودِ) (٣٤) الدوام في الجنة (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) (٣٥) زيادة على ما عملوا وطلبوا (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ) أي أهلكنا قبل كفار قريش قرونا كثيرة من الكفار (هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً) قوّة
____________________________________
إذ لم يبق أحد ينتظر. ومنها أن وضع القدم والرجل كناية عن تجلي الجلال عليها ، فتتصاغر وتضيق وتنزوي فتقول : قط قط ، وهذا هو الأقرب.
قوله : (لِلْمُتَّقِينَ) المراد بهم من ماتوا على التوحيد. قوله : (مكانا) قدره المفسر إشارة إلى أن قوله : (غَيْرَ بَعِيدٍ) صفة لموصوف محذوف ، فهو منصوب على الظرفية لقيامة مقام الظرف ، ولم يقل بعيدة ، إما لأنه صفة لمذكر محذوف ، أو لأن فعيلا يستوي فيه المذكر والمؤنث ، وأتى بهذه الجملة عقب قوله : (وَأُزْلِفَتِ) للتأكيد ، كقولهم : هو قريب غير بعيد ، وعزيز غير ذليل ، إن قلت : إن الجنة مكان ، والشأن انتقال الشخص للمكان ، لا انتقال المكان للشخص. أجيب : بأنه أضاف القرب لها إكراما للمؤمنين ، كأن الإكرام ينقل لهم ، وهو كناية عن سهولة وصولهم إليها. قوله : (ويبدل من المتقين) أي بإعادة الجار ، وجملة (هذا ما تُوعَدُونَ) معترضة بين البدل والمبدل منه. قوله : (حافظ لحدوده) أي فحفيظ بمعنى حافظ لا بمعنى محفوظ.
قوله : (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ) إما بدل من كل ، أو مستأنف خبر لمحذوف. قوله : (خافه ولم يره) أشار بذلك إلى أن قوله : (بِالْغَيْبِ) حال من المفعول ، والمعنى خشيه ، والحال أن الله غائب عنه ، أي متحجب بصفة جلاله وكبريائه ، ويصح أن يكون حالا من الفاعل ، والمعنى خشي الرحمن ، والحال أن الشخص غائب عن الله أي محجوب عنه. قوله : (أي سالمين من كل مخوف) أشار بذلك إلى أن قوله : (بِسَلامٍ) حال من فاعل (ادْخُلُوها) وهي حال مقارنة. قوله : (أو مع سلام) أي إن دخولهم مصحوب بالسلام من بعضهم على بعض ، أو من الله وملائكته عليهم ، وحينئذ فالمعنى ادخلوها مسلما عليكم. قوله : (ذلِكَ) (اليوم الذي حصل فيه الدخول) الخ ، فائدة هذا القول ، بشرى للمؤمنين وطمأنينة قلوبهم. قوله : (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ) أي ما يشتهونه ويريدونه يحصل لهم عاجلا ، وقوله : (فِيها) إما متعلق ب (يَشاؤُنَ) أو حال من (ما.) قوله : (زيادة على ما عملوا وطلبوا) أي وهو النظر إلى وجه الله الكريم لما قيل : يتجلى لهم الرب تبارك وتعالى كل ليلة جمعة في دار كرامته ، فهذا هو المزيد ، وقيل : إن السحابة ثمر شجرة تمر بأهل الجنة ، فتمطرهم الحور فيقلن : نحن المزيد الذي قال الله فيه (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ).
قوله : (وَكَمْ أَهْلَكْنا) الخ ، (كَمْ) خبرية معمولة لأهلكنا ، و (مِنْ قَرْنٍ) تمييز لكم ، وقوله : (هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ) مبتدأ ، وخبر الجملة صفة إما لكم أو لقرن ، (بَطْشاً) تمييز ، المعنى : أننا أهلكنا قرونا كثيرة أشد بأسا وبطشا من قريش ، ففتشوا في البلاد عند نزول العذاب بهم ، فلم يجدوا مخلصا. قوله :