مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ) حجرات نسائه صلىاللهعليهوسلم جمع حجرة وهي ما يحجر عليه من الأرض بحائط ونحوه ، كأن كل واحد منهم نادى خلف حجرة ، لأنهم لم يعلموه في أي حجرة ، ومناداة الأعراب بغلظة وجفاء (أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (٤) فيما فعلوه محلك الرفيع وما يناسبه من التعظيم (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا) أنهم في محل رفع بالابتداء ، وقيل : فاعل بفعل مقدر أي ثبت (حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥) لمن تاب منهم ونزل في الوليد بن عقبة ، وقد بعثه النبي صلىاللهعليهوسلم إلى بني
____________________________________
قوله : (مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ) أي من خارجها ، خلفها أو قدامها ، لأن (وَراءِ) من الأضداد تكون بمعنى خلف ، وبمعنى قدام ، قال مجاهد وغيره : نزلت في أعراب بني تميم ، قدم وفد منهم على النبي صلىاللهعليهوسلم فدخلوا المسجد ونادوا النبي صلىاللهعليهوسلم من وراء الحجرات ، أن أخرج الينا ، فإن مدحنا زين ، وذمنا شين ، وكانوا سبعين رجلا ، قدموا لفداء ذراري لهم ، وكان النبي صلىاللهعليهوسلم نائما للقائلة ، وسئل صلىاللهعليهوسلم فقال : هم جفاة بني تميم ، لولا أنهم من أشد الناس قتالا للأعور الدجال ، لدعوت الله عليهم أن يهلكهم ، وقيل : كانوا جاؤوا شفعاء في أسارى بني عنبر ، فأعتق رسول الله صلىاللهعليهوسلم نصفهم ، وفادى نصفهم ، ولو صبروا لأعتق جميعهم بغير فداء. قوله : (وهي ما يحجر عليه) أي يحوط عليه للمنع من الدخول. قوله : (كأن كل واحد منهم) الخ ، أتى بصيغة لا جزم فيها ، لأن المقام مقام احتمال ، وذلك لأن مناداتهم ، يحتمل أن تكون كما قال المفسر ، أو الكل وقفوا على كل حجرة ونادوه منها. قوله : (مناداة الأعراب) معمول لينادونك.
قوله : (أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) المراد بالأكثر الكل ، لأن العرب قد تعبر بالأكثر وتريد الكل. قوله : (محلك الرفيع) معمول ليعقلون ، وفي نسخة بمحلك ، فيكون معمولا لفعلوه ، فالمحل على الأول المكانة والرتبة ، وعلى الثاني الدار المحسوسة ، ومعنى الرفيع على الأول العلي القدر ، وعلى الثاني المحفوظ من إساءة الأدب لحلولك فيه ، فإن الظرف يعظم بالمظروف ، قال الشاعر :
وما حب الديار شغفن قلبي |
|
ولكن حب من سكن الديارا |
قوله : (أنهم في محل رفع بالابتداء) هو قول سيبويه ، ولا يحتاج إلى خبر ، لاشتمال صلتها على المسند والمسند إليه ، وقيل : الخبر محذوف وجوبا لوقوعه بعد (لَوْ). قوله : (أي ثبت) بيان للفعل المقدر ، والمعنى ثبت صبرهم وانتظارهم ، وهذا قول المبرد والزجاج والكوفيين ، ورجح بأن فيه إبقاء له على الاختصاص بالفعل. قوله : (لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) أي لكان الصبر خيرا لهم من الاستعجال ، لما فيه من حفظ الأدب وتعظيم الرسول ، الموجبين للثناء والثواب ، قال العارفون : الأدب عند الأكابر ، يبلغ بصاحبه إلى الدرجات العلى ، وسعادة الدنيا والآخرة. قوله : (ونزل في الوليد بن عقبة) بن أبي معيط ، أخو عثمان بن عفان لأمه ، وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعثه إلى بني المصطلق بعد الوقعة معهم ، واليا يجبي الزكاة ، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية ، فلما سمع به القوم تلقوه تعظيما لأمر رسول الله ، فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله ، فهابهم ، فرجع من الطريق إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : إنهم منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي ، فغضب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهم أن يغزوهم ، فبلغ القوم رجوعه ، فأتوا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : يا رسول الله ، سمعنا برسولك ، فخرجنا نتلقاه ونكرمه ، ونؤدي إليه ما قبلنا من حق الله ، فبدا له الرجوع ، فخشينا أنه إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك ، لغضب غضبته علينا ، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله ،