(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١) (الْحَمْدُ لِلَّهِ) جملة خبرية قصد بها الثناء على الله بمضمونها ، من أنه تعالى مالك لجميع الحمد من الخلق ، أو مستحق لأن يحمدوه ، والله علم على المعبود بحق
____________________________________
على القول بأنها ليست منها. قوله : (بكونها) الباء بمعنى في ، أي في كون الفاتحة كلها من مقول العباد ، وفي نسخة بكونه وهي أوضح ، والضمير عائد على ما قبل (إِيَّاكَ) ومحصله أن (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) لما كان من مقول العباد ، احتيج إلى تقدير قولوا فيما قبله ، ليكون ما قبله من مقول العباد أيضا ، فتكون الفاتحة كلها من مقول العباد ، ولو ترك هذا التقدير ، لاحتمل أن قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) إلى آخر الآيات الأربع ثناء على الله ، فيكون بعضها الأول من مقول الله ، وبعضها الثاني من مقول العبد ثناء من الله على نفسه ، فيكون من مقوله هو ، وذلك صحيح في حد ذاته ، لكن التناسب ابلغ.
قوله : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) لم يتكلم الجلال المحلي ولا تلميذ عليها ، ولعلهما اتكلا على شهوته ، ونتكلم على شيء منها فنقول : ابتدأ كتابه تعالى بالبسملة ، تعليما لعباده الاقتداء بذلك ، والإتيان بها في كل أمر ذي بال ، إشعارا بأنها أم الفاتحة كما أن الفاتحة أم القرآن ، كما أن القرآن أم الكتب السماوية ، والله علم على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد ، والرحمن المنعم بجلائل النعم ، كما وكيفا دنيا وأخرى ، والرحيم المنعم بدقائقها كذلك.
ـ فائدة ـ روى الشعبي والأعمش أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يكتب : باسمك اللهم حتى نزل وقال : اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها كتب بسم الله ، فلما نزلت (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) كتب : بسم الله الرحمن ، فلما نزلت (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) كتبها ، وعن عبد الله بن مسعود قال : من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ «بسم الله الرحمن الرحيم» ليجعل الله له بكل حرف منها جنة من كل واحد ، وقد فسرها بعض العارفين على مقتضى الحروف فقال : إن كل حرف منها مفتاح كل اسم من اسمائه تعالى ، مبدوء بذلك الحرف ، فالباء مفتاح اسمه تعالى : بصير وباقي وبر ، ونحو ذلك ، والسين مفتاح اسمه تعالى : سميع سلام ، والميم مفتاح اسمه ملك ونحوه ، والألف مفتاح اسمه تعالى ونحوه ، واللام مفتاح اسمه لطيف ونحوه ، والهاء مفتاح اسمه هادي ونحوه ، والراء مفتاح اسمه رزاق ونحوه ، والحاء مفتاح اسمه حليم ونحوه ، والنون مفتاح اسمه نافع ونحوه ، فكأن المفتتح بها مفتتح بجميع أسمائه تعالى. قوله : (جملة) أي مركبة من مبتدأ وخبر ، وقوله : (خبرية) أي لفظا وهي إنشائية معنى بدليل قوله : (قصد الثناء) أي قصد بها إنشاء الثناء. قوله : (من أنه تعالى) الخ ، بيان للمضمون ، وفي ذلك إشارة إلى أن أل في الحمد جنسية ، وهو الأولى من جعلها استغراقية أو عهدية ، أما الأول فلأنه ليس في طاقة العبيد حصر أفراد الحمد ، وأما الثاني فلقصوره كذا قال النحويون ، واختار الصوفية أنها للعهد قائلين : إن الله تعالى لما علم عجز خلقه عن كنه حمده ، حمد نفسه بنفسه أو وضعه لهم يحمدونه به ، وهذا المعنى هو المناسب للحمد الواقع في القرآن فتدبر. قوله : (ومستحق) الخ ، أشار بذلك إلى أن اللام في (لِلَّهِ) للملك أو للاستحقاق. قوله : (والله علم على المعبود بحق) أي علم شخص عربي مرتجل جامد وهو الصحيح ، ومعنى كونه علم شخص ، أنه علم على ذات معينة مستجمعة لصفات الكمال ، وقال الزمخشري : إنه اسم جنس صار علما بالغلبة مشتق من أله كعبد وزنا ومعنى أو من أله بمعنى سكت ، أو من وله بمعنى تحير ودهش أو طرب ، أو من لاه بمعنى احتجب ، أو ارتفع أو استنار ، ومجموع