إليها الحجاج عن مكة ، فأحدث رجل من كنانة فيها ولطخ قبلتها بالعذرة احتقارا بها ، فحلف أبرهة ليهدمن الكعبة ، فجاء مكة بجيشه على أفيال مقدمها محمود ، فحين توجهوا لهدم الكعبة ، أرسل الله عليهم ما قصه في قوله (أَلَمْ يَجْعَلْ) أي جعل (كَيْدَهُمْ) في هدم الكعبة (فِي
____________________________________
المطلب خرج ، فأخبر قريشا الخبر ، وأمرهم أن يتفرقوا في الشعاب ، ويتحرزوا في رؤوس الجبال خوفا عليهم من معرة الحبش ففعلوا ، وأتى عبد المطلب وأخذ حلقة الباب وجعل يدعو ، فلما فرغ من دعائه ، توجه في بعض تلك الوجوه مع قومه ، وأصبح أبرهة بالمغمس قد تهيأ للدخول ، وهيأ جيشه وهيأ فيله ، وكان فيلا لم ير مثله في العظم والقوة ، ويقال : كانت الأفيال اثني عشر فيلا ، فأقبل نفيل إلى الفيل الأعظم ثم أخذ بأذنه وقال له : ابرك محمودا ، وارجع رشيدا ، فإنك ببلد الله الحرام فبرك ، فبعثوه فأبى ، فضربوه بالمعول في رأسه ، فادخل محاجنه تحت مراقه ومرافقه ففزعوه ليقوم فأبى ، فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول ، ووجهوه إلى قدامه ففعل مثل ذلك ، ووجوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ، فصرفوه إلى الحرم فبرك وأبى أن يقوم ، وخرج نفيل يشتد حتى صعد الجبل ، وأرسل الله عزوجل طيرا من البحر أمثال الخطاطيف ، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار ، حجران في رجليه وحجر في منقاره ، أكبر من العدسة وأقل من الحمصة ، فلما غشيت القوم أرسلتها عليهم ، فلم تصب تلك الحجارة أحدا إلا هلك ، وخرجوا هاربين لا يهتدون إلى الطريق الذي جاؤوا منه ، وصرخ القوم ، وماج بعضهم في بعض يتساقطون بكل طريق ويهلكون على كل منهل ، وبعث الله على أبرهة داء في جسده ، فجعل تتساقط أنامله ، كلما سقطت أنملة أتبعها مدة من قيح ودم ، فانتهى إلى صنعاء وهو مثل فرخ الطير ، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ثم هلك ، وانفلت وزير أبرهة أبو يكسوم ، وطائره فوق رأسه ، حتى وقف بين يدي النجاشي ، فلما أخبره الخبر سقط عليه الحجر فمات بين يديه ، وأما محمود فيل النجاشي فربض ولم يشجع على الحرم فنجا ، وأما الفيلة الأخر فشجعوا فرموا بالحصباء. قوله : (كنيسة) أي وكان قد بناها بالرخام الأبيض والأحمر والأسود والأصفر ، وحلاها بالذهب والفضة وأنواع الجواهر ، وأذل أهل اليمن في بنائها ، ونقل فيها الرخام المجزع ، والحجارة المنقوشة بالذهب والفضة من قصر بلقيس ، وكان على فرسخ من موضعها ، ونصب فيها صلبانا من ذهب وفضة ، ومنابر من عاج وآبنوس وغير ذلك ، وكان بناؤها مرتفعا عاليا ، تسقط قلنسوة الناظر عن رأسه عند نظره إليها. قوله : (ليصرف إليها الحجاج) أي وقد صرفهم بالفعل ، وأمرهم بحجها فحجوها سنين ، وكانوا يحجون البيت في هذه المدة أيضا ، كذا قيل. قوله : (فأحدث رجل) أي من العرب وهو مالك بن كنانة. قوله : (أرسل الله عليهم) الخ ، أي فرجعوا هاربين يتساقطون بكل طريق ، وكان هلاكهم قرب عرفة ، قبل دخول أرض الحرم على الصحيح ، وقيل : بوادي محسر بين مزدلفة ومنى ، وأصيب أبرهة في جسده بداء الجدري ، فتساقطت أنامله وأصابعه وأعضاؤه ، وسال منه الصديد والقيح والدم ، وما مات حتى انشق قلبه.
قوله : (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ) أي مكرهم ، وسماه كيدا لأن سببه حسد سكان الحرم ، وقصد صرف شرفهم له وهو خفي ، فسمي كيدا لذلك. قوله : (أي جعل) أشار بذلك إلى أن المضارع لحكاية الحال