____________________________________
أبرهة عند ذلك ، ليسيرن إلى الكعبة ثم يهدمها ، فكتب إلى النجاشي يخبره بذلك ، وسأله أن يبعث إليه بفيله ، وكان فيلا يقال له محمود ، وكان فيلا لم ير مثله عظما وجسما وقوة ، فبعث به إليه ، فخرج أبرهة من الحبشة سائرا إلى مكة ، وخرج معه بالفيل ، فسمعت العرب بذلك ، فعظموه ورأوا جهاده حقا عليهم ، فخرج ملك من ملوك اليمن يقال له ذو نفر بمن أطاعه من قومه ، فقاتله فهزمه أبرهة وأخذ ذا نفر فقال لأبرهة : يا أيها الملك استبقني فإن بقائي خير لك من قتلي ، فاستحياه وأوثقه ، وكان أبرهة ، رجلا حليما ، ثم سار حتى إذا دنا من بلاد خثعم ، وخرج إليه نفيل بن حبيب الخثعمي في خثعم ومن اجتمع من قبائل اليمن ، فهزمهم وأخذ نفيلا فقال نفيل : أيها الملك إني دليل بأرض العرب ، فاستبقاه وخرج معه يدله ، إذ مر بالطائف خرج إليه مسعود بن مغيث في رجل من ثقيف فقال : أيها الملك نحن عبيدك ليس عندنا خلاف لك ، إنما تريد البيت الذي بمكة نحن نبعث معك من يدلك عليه ، فبعثوا معه أبا رغال مولى لهم ، فخرج حتى إذا كان بالمغمس مات أبو رغال ، وهو الذي يرجم قبره الآن ، وبعث أبرهة رجلا من الحبشة يقال له الأسود بن مسعود مقدمة خيله ، وأمره بالغارة على نعم الناس ، فجمع الأسود إليه أموال أصحاب الحرم ، وأصاب لعبد المطلب مائتي بعير ، ثم إن أبرهة أرسل حناطة الحميري إلى أهل مكة وقال له : سل عن شريفها ثم أبلغه ما أرسلك به إليه ، أخبره أني لم آت لقتال ، إنما جئت لأهدم هذا البيت ، فانطلق حتى دخل مكة ، فلقي عبد المطلب فقال له : إن الملك أرسلني إليك لأخبرك أنه لم يأت لقتال إلا أن تقاتلوه ، وإنما جاء لهدم هذا البيت ثم الانصراف عنكم ، فقال عبد المطلب : ما له عندنا قتال ، ولا لنا يدان ندفعه عما جاء له ، فإن هذا بيت الله الحرام وبيت إبراهيم خليله عليهالسلام ، فإن يمنعه فهو بيته وحرمه ، وإن يحل بينه وبين ذلك ، فو الله ما لنا بدفعة قوة ، قال : فانطلق معي إليه ، فزعم بعض العلماء أنه أردفه على بغلة كان عليها ، وركب معه بعض بنيه حتى قدم العسكر ، وكان ذو نفر صديقا لعبد المطلب فقال : يا ذا نفر هل عندك من غناء أي نفع فيما نزل بنا؟ قال : أنا رجل أسير ، لا آمن أن أقتل بكرة أو عشية ، ولكن سأبعث إلى أنيس سائس الفيل فإنه لي صديق ، فأسأله أن يصنع لك عند الملك ما استطاع من خير ، ويعظم حظوتك ومنزلتك عنده ، قال : فأرسل إلى أنيس فأتاه فقال : إن هذا سيد قريش وصاحب عير مكة ، يطعم الناس في السهل ، والوحوش في رؤوس الجبال ، وقد أصاب الملك له مائتي بعير ، فإن استطعت أن تنفعه عنده فانفعه ، فإنه صديق لي أحب ما وصل إليه من الخير ، فدخل أنيس على أبرهة فقال : أيها الملك هذا سيد قريش وصاحب عير مكة ، الذي يطعم الناس في السهل ، والوحوش في رؤوس الجبال ، يستأذن عليك ، وأنا أحب أن تأذن لي فيكلمك ؛ فقد جاء غير ناصب لك ولا مخالف عليك ، فأذن له ، وكان عبد المطلب رجلا جسيما وسيما ، فلما رآه أبرهة عظمه وأكرمه عن أن يجلس تحته ، وكره أن تراه الحبشة يجلسه معه على سريره ، فجلس على بساطه ، وأجلس عبد المطلب بجنبه ، ثم قال لترجمانه : قل له ما حاجتك إلى الملك؟ فقال له الترجمان ذلك ، فقال له عبد المطلب حاجتي إلى الملك أن يرد عليّ مائتي بعير أصابها ، فقال أبرهة لترجمانه : قل له : قد كنت أعجبتني حين رأيتك ، ولقد زهدت الآن فيك ، قال : لم؟ قال : جئت إلى بيت هو دينك ودين آبائك ، وهو شرفكم وعصمتكم لأهدمه ، لم تكلمني فيه ، وتكلمني في مائتي بعير غصبتها لك ، قال عبد المطلب : أنا رب هذه الإبل ، ولهذا البيت رب سيمنعه منك ، قال : ما كان ليمنعه مني ، قال : فأنت وذاك ، فأمر بإبله فردت عليه ، فلما ردت الإبل على عبد