والوليد بن المغيرة وغيرهما (الَّذِي جَمَعَ) بالتخفيف والتشديد (مالاً وَعَدَّدَهُ) (٢) أحصاه وجعله عدة لحوادث الدهر (يَحْسَبُ) لجهله (أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) (٣) جعله خالدا لا يموت (كَلَّا) ردع (لَيُنْبَذَنَ) جواب قسم محذوف أي ليطرحنّ (فِي الْحُطَمَةِ) (٤) التي تحطم كل ما ألقي فيها (وَما أَدْراكَ) أعلمك (مَا الْحُطَمَةُ) (٥) (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ) (٦) المسعرة (الَّتِي تَطَّلِعُ) تشرف (عَلَى الْأَفْئِدَةِ) (٧) القلوب فتحرقها ، وألمها أشد من ألم غيرها للطفها (إِنَّها عَلَيْهِمْ) جمع الضمير رعاية
____________________________________
من يحاكي الناس في أقوالهم وأفعالهم وأصواتهم ليضحكوا منه. قوله : (وغيرهما) أي كالأخنس بن شريق ، والعاص بن وائل السهمي ، وجميل بن معمر ، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فهذا وعيد لمن يغتاب المسلمين ، ولا سيما العلماء والصلحاء ، ولكن يقال : هو مخلد في النار إن مات كافرا ، وإلا فهو تحت المشيئة.
قوله : (الَّذِي جَمَعَ مالاً) بدل من كل. قوله : (بالتخفيف والتشديد) أي فهما سبعيتان ، فقراءة التشديد تفيد التفاني والمبالغة ، وفي الجمع بخلاف قراءة التخفيف ، ونكر (مالاً) للتعظيم. قوله : (وَعَدَّدَهُ) العامة على تشديد الدال الأولى ، وقرىء شذوذا بتخفيفها ، والضمير إما عائد على المال والتقدير وجمع عدده أي أحصاه وعلمه ، أو عائد على نفسه والمعنى جمع مالا وجمع عدد نفسه من عشيرته وأقاربه ، وعلى هذين الوجهين ف (عَدَّدَهُ) اسم معطوف على (مالاً ،) ويحتمل أن «عدد» فعل ماض بمعنى عده ، إلا أنه غير مدغم. قوله : (وجعله عدة) الواو بمعنى أو ، لأنهما تفسيران ، فعلى الأول مأخوذ من العد ، وعلى الثاني من العدة ، بمعنى الاستعداد والإدخار لحوادث الزمن.
قوله : (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ) الخ ، إما مستأنف واقع في جواب سؤال مقدر كأنه قيل : ما باله يجمع المال ويهتم به ، أو حال من فاعل جمع. قوله : (أَخْلَدَهُ) هو ماض معناه المضارع ، أي يظن لجهله أن ماله يوصله إلى رتبة الخلود في الدنيا ، فيصير خالدا فيها ولا يموت ، أو يعمل من تشييد البنيان وغرس الأشجار وعمارة الأرض ، عمل من يظن أن ماله أبقاه حيا. قوله : (ردع) أي عن حسبانه المذكور ، فالمعنى ليس الأمر كما يظن أن المال أخلده ، وقيل : إن كلا بمعنى حقا. قوله : (التي تحطم) أي تكسر ، ففي (الْحُطَمَةِ) مماثلة لعمله لفظا ومعنى ، لأنها بوزن (هُمَزَةٍ) و (لُمَزَةٍ.) قوله : (وَما أَدْراكَ) استفهام إنكاري بمعنى النفي ، أي لم تعلم قدر هو لها وعظمه إلا بوحي من ربك. قوله : (نارُ اللهِ) الإضافة للتفخيم والتعظيم. قوله : (المعسرة) بالتخفيف والتشديد ، أي المهيجة الشديدة اللهب التي لا تخمد أبدا.
قوله : (الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) أي تغشاها وتحيط بها ، وخص الأفئدة بالذكر ، لكونها ألطف ما في الجسد وأشده تألما بأدنى عذاب ، أو لأنها محل العقائد الزائغة والنيات الخبيثة ، فهي منشأ الأعمال السيئة. قوله : (وألمها) أي القلوب. والمعنى : تألمها أشد من تألم غيرها من بقية البدن ، ومن المعلوم أن الألم إذا وصل إلى الفؤاد مات صاحبه ، فهم في حال من يموت وهم لا يموتون ، قال تعالى : (لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) قال محمد بن كعب : تأكل النار جميع ما في أجسادهم ، حتى إذا بلغت إلى الفؤاد خلقوا خلقا جديدا ،