الصَّالِحاتِ) فليسوا في خسران (وَتَواصَوْا) أوصى بعضهم بعضا (بِالْحَقِ) أي الإيمان (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) (٣) على الطاعة وعن المعصية.
____________________________________
من عمر الإنسان ، إما أن تكون تلك الساعة في طاعة أو معصية ، فإن كانت في معصية فهو الخسران البين ، وإن كانت في طاعة فلعل غيرها أفضل ، وهو قادر عليه ، فكان فعل غير الأفضل تضييعا وخسرانا ، وأيضا ربح الإنسان في طلب الآخرة وحبها ، والأعراض عن الدنيا ، فلما كانت الأسباب الداعية إلى الآخرة خفية ، والأسباب الداعية إلى حب الدنيا ظاهرة ، وكثرة اشتغال الناس بحب الظاهر كانوا في خسار وبوار ، قد أهلكوا أنفسهم بتضييع أعمارهم فيما لم يخلقوا له ، وقوله : (لَفِي خُسْرٍ) أي غبن ، وقيل هلكة ، وقيل عقوبة ، وقيل شر ، وقيل نقص ، والمعنى متقارب ، وقيل : المراد بالإنسان الكافر ، بدليل استثناء المؤمنين بعد وخسرانه ظاهر.
قوله : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) الاستثناء متصل إن أريد بالإنسان الجنس ، وأما إن أريد به خصوص الكافر فهو منقطع ، لأن المؤمنين لم يدخلوا في عموم الخسران. قوله : (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي امتثلوا المأمورات ، واجتنبوا المنهيات ، واعلم أنه سبحانه وتعالى ، حكم بالخسران على جميع الناس ، إلا من أتى بهذه الأشياء الأربعة وهي : الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر ، والحكمة في ذلك ، أن هذه الأمور اشتملت على ما يخص الإنسان في نفسه ، وهو الإيمان والعمل الصالح ، وما يخص غيره وهو التواصي بالحق والتواصي بالصبر ، فإذا جمع ذلك ، فقد قام بحق الله وحق عباده. قوله : (أوصى بعضهم بعضا) أشار بذلك إلى أن (تَواصَوْا) فعل ماض لا فعل أمر. قوله : (أي الإيمان) أي وفروعه من الطاعات ، واتباع السلف الصالح ، والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة ، ونحو ذلك.
قوله : (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) كرر الفعل لاختلاف المفعولين ، والصبر وإن كان داخلا في عموم الحق ، إلا أنه أفرده بالذكر اعتناء بشأنه ، لما فيه من زيادة حبس النفس والرضا بأحكام الربوبية. قوله : (على الطاعة وعن المعصية) أي وعلى البلايا والمصائب ، وهذا ما ذكره المفسر ، وقيل : المعنى أن الإنسان إذا عمر في الدنيا وهرم ، لفي نقص وتراجع حسا ، ومعنى (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) فإن الله يكتب أجورهم ومحاسن أعمالهم ، التي كانوا يعملونها في شبابهم وصحتهم ، فإنهم وإن ضعفت أجسامهم لا ينقصون معنى ؛ وعلى هذا المعنى ، فتكون هذه الآية بمعنى قوله تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ).