المنتشر يموج بعضهم في بعض للحيرة إلى أن يدعوا للحساب (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) (٥) كالصوف المندوف في خفة سيرها حتى تستوي مع الأرض (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) (٦) بأن رجحت حسناته على سيئاته (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) (٧) في الجنة ، أي ذات رضا بأن يرضاها ، أي مرضية له (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) (٨) بأن رجحت سيئاته على حسناته (فَأُمُّهُ) فمسكنه (هاوِيَةٌ) (٩) (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ) (١٠) أي ما هاوية (نارٌ حامِيَةٌ) (١١) شديدة
____________________________________
ولا الثالث لعدم التئامه معه في المعنى ، فتبين أن يكون عامله محذوفا دل عليه لفظ (الْقارِعَةُ).
قوله : (كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) أي ووجه الشبه الكثرة والانتشار ، والضعف والذلة ، والاضطراب والتطاير إلى النار ، والطيش الذي يلحقهم ، وركوب بعضهم بعضا ، ففي هذا التشبيه مبالغات شتى. قوله : (كغوغاء الجراد) الغوغاء الجراد الصغير بعد أن يثبت جناحه الذي ينتشر في الأرض ولا يدري أين يتوجه ، وقيل : هو شيء يشبه البعوض ولا يعض لضعفه ، ووجه الجمع بين ما هنا ، وبين آية (كأنهم جراد منتشر) أو أول حالهم كالفراش ، يقومون من قبورهم متحرين لا يدرون أين يتوجهون ، ثم لما يدعون للحساب يكونون كالجراد ، لأن لها وجها تقصده. قوله : (كالصوف المندوف) أي بعد أن تتفتت كالرمل السائل ، ثم بعد كونها (كَالْعِهْنِ) تصير هباء منبثا ، فمراتب الجبال ثلاثة : تفتتها ثم صيرورتها (كَالْعِهْنِ) ثم صيرورتها هباء منبثا ، وقوله : (المندوف) أي المضروب بالمندفة ، وهي الخشبة التي يطرق بها الوتر ليرق ، وإنما جمع بين حال (النَّاسُ) وحال (الْجِبالُ) تنبيها على أن تلك (الْقارِعَةُ) أثرت في (الْجِبالُ) العظيمة الصلبة حتى تصير (كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) مع كونها مكلفة ، فكيف حال الإنسان الضعيف الذي هو مقصود بالتكليف والحساب.
قوله : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) تفصيل لأحوال الناس في ذلك اليوم ، والمراد بالموازين الموزونات ، أي الأعمال التي توزن. قوله : (بأن رجحت حسناته) الخ ، أي وأولى إذا عدمت سيئاته ، ولو يوجد له إلا حسنات. قوله : (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) أي حياة طيبة ، وقوله : (في الجنة) تفسير باللازم. قوله : (أي ذات رضا) أشار بذلك إلى أن المراد (عِيشَةٍ) منسوبة للرضا كلابن وتامر ، ولذا فسرها بقوله : (أي مرضية) وفي نسخة أو مرضية ، فهو إشارة إلى أن الإسناد مجازي ، أي راض صاحبها بها ، فهو مجاز عقلي ، أو أطلق اسم الفاعل وأراد اسم المفعول ، فهو مجاز مرسل ، والمعنى : أن من رجحت حسناته على سيئاته ، فهو في حياة طيبة في الجنة ، ورضا من الله تعالى عليه ، وهو مع ذلك راض بما أعطاه له ربه ، فرضي الله عنهم ورضوا عنه. قوله : (بأن رجحت سيئاته على حسناته) أي وأولى إذا عدمت حسناته رأسا ، إن قلت : إن ظاهر الآية يقتضي أن المؤمن العاصي ، إذا زادت سيئاته على حسناته تكون أمة هاوية. وأجيب : بأن ذلك لا يدل على خلوده فيها ، بل إن عامله ربه بالعدل أدخل النار بقدر ذنوبه ، ثم يخرج منها إلى الجنة ، ف قوله : (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) يعني ابتداء إن عامله بالعدل ، وهذا ما درج عليه المفسر ، وقيل : المراد بخفة الموازين خلوها من الحسنات بالكلية ، وتلك موازين الكفار ، والمراد بثقل الموازين خلوها من السيئات بالكلية ، أو وجود سيئات قليلة لا توازي الحسنات ، وبقي قسم ثالث وهو : من استوت حسناته وسيئاته ، وحكمه أنه يحاسب حسابا يسيرا ويدخل الجنة. والحاصل : أن من وجدت له