وجوابها (تُحَدِّثُ أَخْبارَها) (٤) تخبر بما عمل عليها من خير وشر (بِأَنَ) بسبب أن (رَبَّكَ أَوْحى لَها) (٥) أي أمرها بذلك ، في الحديث : «تشهد على كل عبد أو أمة بكل ما عمل على ظهرها». (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ) ينصرفون من موقف الحساب (أَشْتاتاً) متفرقين ، فآخذ ذات اليمين إلى الجنة ، وآخذ ذا الشمال إلى النار (لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) (٦) أي جزاءها من الجنة أو النار (فَمَنْ يَعْمَلْ
____________________________________
ويقول : (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ.) قوله : (إنكارا لتلك الحالة) المناسب أن يقول تعجبا من تلك الحالة ، لأنه وقت وقوع ذلك لا يسعه إنكار ، بل يتعجب من تلك الحالة الفظيعة. قوله : (بدل من إذا) أي والعامل فيه هو العامل في المبدل منه ، وقيل غيره ، والتنوين عوض عن الجمل الثلاث المذكورة بعد (إِذا).
قوله : (تُحَدِّثُ أَخْبارَها) اختلف في هذا التحديث ، فقيل : هو كلام حقيقي ، بأن يخلق الله فيها حياة وإدراكا ، فتشهد بما عمل عليها من طاعة ومعصية وهو الظاهر ، وقيل : هو مجاز عن إحداث الله فيها من الأحوال ، ما يقوم مقام التحديث باللسان ، وحدث يتعدى إلى مفعولين : الأول محذوف تقديره الناس ، والثاني قوله : (أَخْبارَها). قوله : (أَوْحى لَها) عداه باللام لمراعاة الفواصل ، والوحي إليها إما بإلهام أو رسول من الملائكة. قوله : (بذلك) أي بالتحديث بأخبارها قوله : (في الحديث) الخ ، أشار بذلك إلى حديث جرير قال : «قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه الآية (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) فقال : أتدرون ما أخبارها؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها ، تقول : عمل علي كذا وكذا» رواه أحمد والترمذي ، وصححه الحاكم وغيره.
قوله : (يَوْمَئِذٍ) بدل من (يَوْمَئِذٍ) قبله ، ومنصوب ب (يَصْدُرُ.) قوله : (من موقف الحساب) أي وقيل : يرجعون من قبورهم إلى ربهم. قوله : (أَشْتاتاً) حال من (النَّاسُ) جمع شتيت ، وقوله : (متفرقين) أي على حسب وصفهم بالإيمان وضده ، وتفاوتهم في الأعمال ، فأهل الإيمان على حدة ، وأهل الكفر على حدة ، فآخذ ذات اليمين إلى الجنة ، وآخذ ذات الشمال إلى النار قوله : (لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) متعلق ب (يَصْدُرُ) وهو من الرؤية البصرية ، يتعدى بالهمز إلى اثنين ، أولهما : الواو التي هي نائب الفاعل ، وثانيهما : أعمالهم.
قوله : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) الخ ، تفصيل للواو في قوله : (لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) قال مقاتل : نزلت في رجلين : أحدهما كان يأتيه السائل ، فيستقل أن يعطيه التمرة والكسوة والجوزة ، وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير ، كالكذبة والغيبة والنظرة ويقول : إنما وعد الله تعالى النار على الكبائر ، فنزلت هذه الآية لترغيبهم في القليل من الخير يعطونه ، ولهذا قال عليه الصلاة والسّلام : «اتقوا النار ولو بشق تمرة ، فمن لم يجد فبكلمة طيبة» ، ولتحذرهم اليسير من الذنب. ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم لعائشة : «إياك ومحقرات الذنوب ، فإن لها من الله طالبا». وقال ابن مسعود : هذه الآية أحكم آية في القرآن وأصدق ، وقال كعب الأحبار : لقد أنزل على محمد صلىاللهعليهوسلم آيتان أحصتا ما في التوراة والإنجيل والزبور والصحف (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً