أي عبدة الأصنام عطف على أهل (مُنْفَكِّينَ) خبر يكن ، أي زائلين عما هم عليه (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ) أي أتتهم (الْبَيِّنَةُ) (١) أي الحجة الواضحة وهي محمد صلىاللهعليهوسلم (رَسُولٌ مِنَ اللهِ) بدل من البينة وهو النبي صلىاللهعليهوسلم (يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً) (٢) من الباطل (فِيها كُتُبٌ) أحكام مكتوبة (قَيِّمَةٌ) (٣) مستقيمة أي يتلو مضمون ذلك وهو القرآن ، فمنهم من آمن به ، ومنهم من كفر (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) في الإيمان به صلىاللهعليهوسلم (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) (٤) أي هو صلىاللهعليهوسلم أو القرآن الجائي به معجزة له ، وقبل مجيئه صلىاللهعليهوسلم كانوا مجتمعين على الإيمان به إذا جاء فحسده من كفر به منهم (وَما
____________________________________
آمن ، ومنهم من كفر ، فحكى الله تعالى ما كانوا يقولون أولا ، وما فعلوه آخرا. قوله : (أي زائلين) الخ ، أشار بذلك إلى أن الانفكاك بمعنى الزوال ، والمعنى : أنهم متعلقون بدينهم ، لا يتركونه إلا عند مجيء محمد صلىاللهعليهوسلم.
قوله : (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) غاية لعدم انفكاكهم عما هم عليه ، والحاصل أن في الآية تفسيرين الأول : حمل ما كانوا عليه قبل مجيء النبي على شرعهم في حق أهل الكتاب ، وعلى عبادة الأصنام في حق المشركين ، فالمعنى : لم يكن الفريقان منفكين عما كانوا عليه ، لم يفارقوه إلا وقت مجيء محمد ، فلما ظهر محمد تفرقوا ، فمنهم من آمن به ، ومنهم من بقي على ما كان عليه ، وهذا المعنى ليس فيه مدح ولا ذم لهم. الثاني : أن المراد بما كانوا عليه ، هو إيمانهم بمحمد إذا ظهر ، المعنى : لم يكونوا منفكين عن العزم على الإيمان بمحمد إذا ظهر ، أي لم يفارقوه ولم يتركوه إلا بعد مجيئه صلىاللهعليهوسلم ، وفي هذا المعنى توبيخ لهم ، إذ كيف يؤمنون في الغيب قبل مجيئه ، ويكفرون به لما جاء ، ورأوا أنواره ومعجزاته؟ إذ علمت ذلك ، تعلم أن كلام المفسر أولا محتمل للمعنيين ، وآخرا معرج على المعنى الثاني. قوله : (بدل من البينة) أي بدل اشتمال ، و (مِنَ اللهِ) متعلق بمحذوف صفة لرسول أو حال من (صُحُفاً) لكونه نعت نكرة قدم عليها. قوله : (وهو النبي محمد) وقيل جبريل قوله : (مُطَهَّرَةً) أي مطهرا ما فيها وهو القرآن. قوله : (من الباطل) أي فتطهير الصحف كناية عن كونها لا يأتيها الباطل أصلا.
قوله : (فِيها كُتُبٌ) أي مكتوبات في قراطيس ، فالقرآن يجمع ثمرة كتب الله تعالى المقدمة عليه ، والرسول وإن كان أميا ، لكنه لما تلا مثل ما في الصحف كان كالتالي لها ، فصحت نسبة تلاوة الصحف إليه ، وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب. قوله : (أي يتلو مضمون ذلك) أي مضمون المكتوب في الصحف وهو القرآن لا نفس المكتوب ، لأنه صلىاللهعليهوسلم كان يتلو القرآن عن ظهر قلب ، ولم يكن يقرؤه من كتاب ، فتحصل أن المراد بالصحف والقراطيس التي يكتب فيها القرآن ، والمراد بالكتب الأحكام المكتوبة فيها التي هي مدلول القرآن المكتوب لفظه ونقشه. قوله : (فمنهم من آمن) مفرع على محذوف ، والتقدير : فلما أتتهم البينة فمنهم الخ.
قوله : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) الخ ، تصريح بما أفادته الغاية قبله ، وأفرد أهل الكتاب بالذكر ، بعد الجمع بينهم وبين المشركين ، إشارة لبشاعة حالهم ، لأنهم أشد جرما ويعلم غيرهم بالطريق الأولى ، وذلك لأنهم لما تفرقوا مع علمهم ، كانوا أسوأ حالا من الذين تفرقوا مع الجهل.