فيها لتلك السنة إلى قابل ، ومن سببية بمعنى الباء (سَلامٌ هِيَ) خبر مقدّم ومبتدأ (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (٥) بفتح اللام وكسرها إلى وقت طلوعه ، جعلت سلاما لكثرة السّلام فيها من الملائكة ، لا تمر بمؤمن ولا مؤمنة إلا سلمت عليه.
____________________________________
المراد بالقضاء فيها ، لا القضاء الأزلي ، قوله : (لتلك السنة) أي مما هو منسوب لتلك السنة ، من أجل أمر الموت والأجل والرزق وغير ذلك. قوله : (إلى قابل) متعلق بمحذوف تقديره من تلك الليلة إلى مثلها من قابل.
قوله : (سَلامٌ هِيَ) يصح أن يكون ضمير هي عائدا على (الْمَلائِكَةُ) و (سَلامٌ) بمعنى التسليم ، والمعنى أن الملائكة يسلمون على المؤمنين ، ويصح أن يعود على ليلة القدر سلام أيضا بمعنى التسليم ، والمعنى أن الليلة ذات تسليم من الملائكة على المؤمنين أو على بعضهم بعضا ، ويصح على هذا الوجه أن يجعل سلام بمعنى سلامة ، أي ليلة القدر ذات سلامة من كل شر ، قال القرطبي : ليلة القدر سلامة وخير كلها لا شر فيها حتى مطلع الفجر ، وقال الضحاك : لا يقدر الله في تلك الليلة إلى السلامة ، وفي سائر الليالي يقضي بالبلايا والسلامة ، وقيل : هي ذات سلام من أن يؤثر فيها شيطان في مؤمن أو مؤمنة. قوله : (خبر مقدم) أي فيفيد الحصر أي ما هي إلا سلام ، وجعلت عين السّلام مبالغة على حد : زيد عدل ، وما ذكره المفسر وهو المشهور ، وجوز الأخفش رفع سلام بالابتداء ، وهي بالفاعلية به ، لأنه لا يشترط عنده اعتماد الوصف على نفي أو استفهام.
قوله : (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) متعلق ب (تَنَزَّلُ) وهو ظاهر أو بسلام ، وفيه أنه يلزم عليه الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي وهو المبتدأ على إعراب المفسر ، إلا أن يتوسع في الجار ، وأما على إعراب الأخفش فلا إشكال. قوله : (بفتح اللام وكسرها) أي وهما سبعيتان ، وهل هما مصدران ، أو المفتوح مصدر ، والمكسور اسم مكان؟ خلاف.
فائدة : ذكر العلماء لليلة القدر علامات منها : قلة نبح الكلاب ، ونهيق الحمير ، وعذوبة الماء الملح ، ورؤية كل مخلوق ساجدا لله تعالى ، وسماع كل شيء يذكر الله بلسان المقال ، وكونها ليلة بلجة مضيئة مشرقة بالأنوار ، وطلوع الشمس يومها صافية نقية ، ليست بين قرني الشيطان كيوم غيرها ؛ وأحسن ما يدعى به في تلك الليلة العفو والعافية كما ورد ، وينبغي لمن شق عليه طول القيام ، أن يتخير ما ورد في قراءته كثرة الثواب ، كآية الكرسي فقد ورد أنها أفضل آية في القرآن ، وكأواخر البقرة لما ورد من قام بهما في ليلة كتفاه ، وكسورة إذا زلزلت لما ورد أنها تعدل نصف القرآن ، وكسورة الكافرون لما ورد أنها تعدل ربع القرآن ، والإخلاص تعدل ثلثه ، ويس لما ورد أنها قلب القرآن وأنها لما قرئت له ، ويكثر من الاستغفار والتسبيح والتحميد والتهليل وأنواع الذكر ، والصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم ، ويدعو بما أحب لنفسه ولأحبابه أحياء وأمواتا ويتصدق بما تيسر له ، ويحفظ جوارحه عن المعاصي ، ويكفي في قيامها صلاة العشاء والصبح في جماعة ، وورد «من صلى المغرب والعشاء في جماعة فقد أخذ بحظ وافر من ليلة القدر» وورد «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام شطر الليل ، فإذا صلى الصبح في جماعة فكأنما قام شطره الآخر» وقد ورد «من قال لا إله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ثلاث مرات ، كان كمن أدرك ليلة القدر» فينبغي الإتيان بذلك كل ليلة.